مذ وضعها على جسر الانتظار و هي تحتضر .. لكنها تأبى إلا أن تتوقع حضوره في أية لحظة .. كي تذوب بين ذراعيه .. كي تشمّ عطره الذي يشعل قلبها و يحدث في جسدها الزلازل ..لحظات مضت و الحب يزيد المسافة بينهما .. و الغربة تنهش من روحها كما لو أنها فريستها الوحيدة .. ماذا تفعل بأحلامها معه و قد رهنت كل شيء في حياتها بحضوره ؟
ما تزال تنتظره كما لو أنه سيعود .. و تشعل الشموع ليلاً و تواصل الصلاة كي تجتمع به في ذلك المكان الذي هطل فيه حبهما أول مرة .. كما لو أنها تريد أن تختزل هفوات الغياب .. كما لو أنها تطوي صفحةً في كتاب ..
لو يعود ..
لو يكتب أمامها كما في ذلك اليوم .. و هي تناوله فنجان شاي و ترتب شعره ..
لو يعود ..
كي يفتح لها باب قلبه و تشعله ..كي تهطل على جسده عشقاً و لهفة ..
لو يعود .. لو
على الأرجح .. هي قالت له يومها ” لا أحب سوى هذا المكان ” .. و على الأرجح هو ما كان يحب أحدا سواها .. و لا يتمنى شيئا عداها … هي التي كانت معبره نحو الأحلام .. و هو الذي كان يسقط عن كتفيها أثقال الاحلاام .. و هي التي أيضا كانت تصنع منه مشروع رجل فوق نيران الحب التي لا تنام .. فعشقها كما يشتهي له الهيام .. و بحثت عنه وسط كل الخراب الذي جعل من العمر متأخرا عن الكون بألف عام …
ما بينهما لم ينتهِ اليوم ..
ربما انتهى البارحة .. حين انتظرته و لم يأت .. حين كتبت إليه رسالة حزن و لم تتلقى الرد .. حين أشعلتُ شمعة .. و لم تجد من يشاركها إطفاءها احتفالاً بمرور برهة على لقائهما الأول ..
في الاستثناءات التي تحصل عليها عاشقة .. من قدرٍ بلغت بها الحماقة حدّ التفرّغ له وحده .. كانت تجالس طيفه ..
هو هكذا أجمل .. على الأقلّ تنطق له بما يشتهي .. بما لن يشبهه يوماً ..
حل المساء ..
و بينهما آلاف الأشياء ..
فهل تسمح أن تفكّ ضفائرها الشقراء ..
و أن تعطيه اسماً يصارع به كلّ الأسماء ..
أن يكون لها ” أجمل الفرسان ” مثلاً .. أن يكون مثلاً ” عاشق النساء ” ..
يريدها أن تسمح له برقصةٍ لا إيقاع فيها .. و لا غناء ..
يريدها شاهدةً على غزواته لأجلها .. يريدها أن تستقبل عشقه لأجلها باِنحناء ..
جاء المساء ..
و ما عاد في القلب دماء ..
لا زالت هي وردة حمراء .. و لا زال يحلم أن يكون هو الماء .
ستسافر غداً إلى مدينةٍ غربية .. تحمل جواز سفر يحميها من العبارات المفخخة بالمتفجّرات .. و من المطارات التي تحملها بعيدا عن لوعة مدن الكلمات .. .