كان اغلاق المساجد بسبب  وباء كورونا بمثابة مصيبة الموت  لأن المسجد كالروح من الجسد و لا يستغني عنه فهو من مكونات المجتمع الجزائرية،أصعب وأثقل وأخطر عبارة سمعناها “الصلاة في بيوتكم “فمنهم من بكى ومنهم  من دعا ومنهم ومنهم …

وبقي الجزائريون في بيوتهم وابتعدوا عن بيوت الله رغم أن توجيهات الأئمة ونصحهم وتوجيههم عن طريق التواصل الاجتماعي والإجابة على انشغالاتهم وأسئلتهم إلا أن هذا لا يكون بديلا ولا يغني عن المسجد .

في الفترة التي أبعدتنا جائحة كورونا عن بيوت الله  بدأت تظهر آفات اجتماعية خطيرة كالنزاعات والعداوة  وارتفاع نسبة الطلاق والجريمة بشكل واضح، ومن هنا يتضح جليا أن المساجد ضمان للأخلاق والتوجيه والنصح فهي  بيوت الله للصلاة  مجلبة للرحمات وتلقي الإشراقات ومن ثم تختفي أوتقل الأمراض و الجرائم والأفات الإجتماعية.

فكلما اقتربنا من المسجد كلما قلت الجريمة والآفات الاجتماعية، فالمسجدُ مِحورَ حياة المجتمع الجزائري ، وسرَّ قوته؛ وملاذ آمن في الشتاء والصيف فيه يتعلم وفيه يتآلف وفيه يتوحد وفيه يرتقي بفكره ووعيه ويتعلم سبل الوقاية من الآفات الإجتماعية  ويحافظ على نفسه وعلى نفوس المؤمنين الأخرين  يتربى  على التعاون والتناصح والتضامن.

فكان  المواطن لا يجد مكانا يأويه ويلجأ إليه ، ماعدا المساجد فهي فضاءات كبيرة أبوابها مفتوحة تتوفر على الماء ، تقدم للمسافر للمحتاج لكل شرائح المجتمع وتوفر له خدمات مجانية ، فإذا أراد أن يسأل فالمسجد يجيبه ،وإذا احتاج فالمسجد يعطيه  وإذا أراد النصح فالمسجد ينصحه وإن كان تائها فالمسجد يرشده .

بل أن كل الأعمال الاجتماعية من خطبة ، وإصلاح ، وتعارف، وتعاون ، تتم في

المساجد في كل الأوقات وفي كل الأيام وفي كل الشهور.

فلا تبخسوا المساجد أدوارها ، أقول هذا الكلام بعدما أغلقت المساجد بسبب جائحة كورونا أعطى لنا نظرة عن قيمة المسجد ومكانته عند المواطن.

فلا تبخسوا المساجد أدوارها يجب أن تقدس وأن تحترم وأن يعتنى بها والحمد لله أن للمسجد مكانة في قلوب الجزائريين ، فهم يقدمونه على منازلهم ، ويعتنون به أكثر من ديارهم لأن إرادة الخير متأصلة في نفوسهم وفي أصولهم وطبعا تكون في فروعهم.

 

… ويعلمون أن أشرَفَ البقاع على ظهر الأرض هي المساجد؛ لأنها بيوتُ الله عز وجلَّ؛ مصداقًا لِما رواه عبد الرزَّاق بسنده، عن عمرو بن ميمون الأوديِّ، قال: أدركتُ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وهم يقولون: إن المساجدَ بيوت الله، وإنه حق على الله أن يُكرِم مَن زاره فيها.

ويعلمون أن القرآنُ الكريم فضل المساجد بنسبتها إلى الله عز وجل، وذلك في قول

الله تعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا  الجن: 18 ولهذا كانت العنايةُ بالمساجد – عمارة، وتشييدًا، وبناءً، وصلاة، وذِكرًا لله عز وجل في نفوس الجزائريين –

دليل على الإيمان، وسبيلاً إلى الهداية؛ يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّمَاَيعيْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِوَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ التوبة: 18

ويعلمون أنه حينَما هاجَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينةِ المنوَّرة، وشرَع في وضع الأُسس الراسخة لإقامة الدولة ، كان بناءُ المسجد في مقدِّمة تلك الأُسس، وبهذا أصبح المسجدُ مِحورَ حياة المجتمع الجزائري ، وسرَّ قوته؛ وملاذ آمن في الشتاء والصيف فيه يتعلم وفيه يتآلف وفيه يتوحد وفيه يرتقي بفكره ووعيه ويتعلم سبل الوقاية من الافات الاجتماعية ويحافظ على نفسه وعلى نفوس المؤمنين يتربى  على التعاون والتناصح والتضامن.

لا أحد يتجاهل  دور المسجد فدوره عظيم كمؤسسة اجتماعية وكمجالس للذكر، ومحراب للعبادة، فهي منارات لتعليم العلم ومعرفة قواعد الشرع بل هي أول المؤسسات التي انطلق منها شعاع العلم والمعرفة في الإسلام.

ففتح المساجد يفح الأمال ويذكرنا بنعمة المسجد قبل إجراء الغلق فكان المواطن لا يجد مكانا يأويه ويلجأ إليه كما  ذكرنا ويعلم أن المسجد أولُ مدرسة في الإسلام تَبني الأجيالَ، وتصنع الأبطال؛ يقول الله تعالى: ﴿ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ علَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّالْمُطَّهِّرِينَ ﴾ التوبة: 108

والمسجد يقود الوعي والوقاية لدفع الوباء وخطورته على المجتمع ومن الأسس التي تقوم عليها الوقاية  هي النظافة ،والمجتمع الإسلامي هو مجتمعُ النظافة والصفاء، والطُّهر والنقاء، ولا تُكتَسَب هذه الصفات إلا من خلال التربية في المساجد، وهذه الآية الكريمة تشير إلى الطهارة الحسية والمعنوية؛ لأن المسلمَ مطالَبٌ في صلاته بأن يكون طاهرَ الثوب، والبدن، والمكان، وأن يكونَ طاهرًا من الحدَثَيْنِ الأكبرِ والأصغر،عرفنا قيمة المسجد ومكانته فالنلتزم، فحين يصلي المؤمن فإن الصلاةَ تُطهِّرُه من الذنوب والآثام، بل تحفظُه من

ارتكابها؛ مصداقًا لقول الله – تباركوتعالى -: ﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾العنكبوت: 45.

ففتح بيون الله للصلاة  مجلبة للرحمات وتلقي الإشراقات  ومن ثم تختفي أو تقل الأمراض و الجرائم والأفات الإجتماعية وفي بيوتِ الله يتطهَّر المسلمُ من الأثَرةِ والأنانية، وحبِّ النَّفس،ويصبِحُ محبًّا للناس، يسعى في الخيرِ لعبادِ الله جميعًا؛ ولهذا أثنى اللهُ – تبارك وتعالى – على روَّادِ المساجد فقال: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ النور: 36 وإذا كانت المؤسسات موصدة أبوابها في الصيف فإن رُوحَ المسجد ورسالته التربوية والأخلاقية والتوجيهية، تبقى تسريَ في المجتمع ؛ توجيهًا وتعليمًا ومناهجَ وسلوكًا؛ لأن الإسلامَ لا يعرف الإنقطاع فحبله ممدود وعطاؤه غير محدود بين مطالب الرُّوح ومطالب الجسد. وقد ثبَتَ أن الرجال الذين تَمَّت صناعتُهم في المسجد، كانوا دائمًا على مستوى المسؤولية؛ صدقًا في الكلام والفعل، ونظافة في اليد، وطهارةً في القلب، ونقاءً في السريرة، ووفاءً بالعهد، وشجاعة في الحق؛ ولهذا منَحَهم الله نَصْرَه وتأييده؛ لأنهم جنودُه، وهم الذين أشار إليهم قولُ الله تعالى: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُوَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ الأحزاب: 23.

ودور المسجد في بلادنا صاحب كل المراحل التي مر بها المجتمع بل هو كان

صانعها وموجهها، فحافظ على وحدة الأمة في عهد الإستعمار ، ودافع ،وحرر المجتمع من الإستدمار ،وكل مرة قد يهتز المجتمع فيفر الجميع إلى المساجد فلا تبخسوا المساجد أدوارها  كما هو الحال كلما اشتد الحرفي الصيف وجدالمجتمع الملاذ الآمن هي المساجد  فلا تبخسوا المساجد أدوارها الاجتماعية ، فلا تبخسوا المساجد أدوارها  والمسجدُ كان – ولا يزال – أفضلَ مكانٍ للتشاور بين المسلمين، في كل شأن من شؤون دِينهم ومعيشتهم؛ لأن المسلمَ في المسجد يكونُ بعيدًا عن هوى النَّفس ونزعات الشيطان.ولكي يعودَ للمسجد دورُه الرِّياديُّ في نهضة الأمَّة وتقدُّمها، واستعادة مَجْدها؛ فإنه ينبغي أن يمكَّنَ للمسجدِ كي يؤديَ

رسالته الرُّوحية، والتعليمية، والاجتماعية.

بقلم الاستاذ/قسول جلول

باحث وكاتب وإمام مسجد القدس حيدرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *