وقالت صحيفة لوفيغارو الفرنسية إن الوضع في الجزائر مثير للتوجس أكثر من أي وقت مضى في هذه الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية المتوقعة في 18 أفريل، خاصة مع إعلان بوتفليقة (82 عاما) القابض على السلطة منذ عشرين عاما ترشحه لفترة خامسة على الرغم من المشاكل الصحية الخطيرة التي يعاني منها وعلى الرغم من أن جزءا من السكان يعارض هذا الترشح الجديد.

وقال جان بابتيست بيرناردو في مقالة بالصحيفة إن الوضع السياسي في الجزائر قابل للاشتعال بنفس الدرجة التي يبدو فيها الاقتصاد الوطني غاية في السوء، مستدلا بما توصل إليه التقرير -الذي أصدره معهد الدراسات الفرنسية غزيرفي بهذا الصدد- من أن “الجزائر اقتصاد يحتضر، إلى درجة أن السؤال لم يعد هل سيموت بل متى سيموت؟”.

المتلازمة الهولندية
وقال الكاتب إن ضعف الاقتصاد الجزائري يمكن تفسيره من خلال “المتلازمة الهولندية” وهي “مرض اقتصادي” يصيب معظم البلدان المنتجة للنفط، مثل فنزويلا التي لديها 12.2 مليار برميل من النفط القابل للاستغلال، ومثل الجزائر التي تعد من بين أكبر عشرين مصدرا عالميا للذهب الأسود.

وقد يعتقد المرء أن هذه الاحتياطيات الكبيرة ستكون ضمانا للازدهار الاقتصادي للبلاد، ومع ذلك فإن مستوى التنمية يبقى منخفضا نسبيا.

ويشير الكاتب إلى أن الجزائر يركز اقتصادها بشكل حصري تقريبا على استغلال احتياطيات النفط والغاز.

وهذا الخيار -حسب الكاتب- يظهر بوضوح عند قراءة مؤشرات الاقتصاد الكلي، إذ أن ما يقرب من ربع الناتج المحلي الإجمالي يأتي من استغلال موارد النفط والغاز التي تمثل 95% من الصادرات وثلثي الإيرادات الضريبية.

 تشهد البلاد احتجاجات رافضة لترشح بوتفليقة لولاية خامسة

هشاشة اقتصادية
ويقول الكاتب إن الانخفاض الحاد في أسعار النفط العالمية بين عامي 2014 و2019 قد أثر بشكل كبير على الحسابات القومية الجزائرية، مما أدى إلى انخفاض الاستهلاك والاستثمار.

وأوضح أن هذه الهشاشة الاقتصادية زادت حدتها منذ عقود بسبب مصادرة العوائد المرتبطة بالنفط، كما يقول الصحفي والكاتب والخبير الجزائري محمد سيفاوي -في مقابلة مع لوفيغارو لايف- يدين فيها “نظام بوتفليقة” الذي يرى أنه له وظيفة مزدوجة تقوم على “القبض على عوائد النفط” ثم “إعادة توزيعها” على قلة من المنتفعين ورجال الأعمال المقربين من السلطة.

وفي بعض الأحيان -يقول الكاتب- تبرز التفاهمات غير القانونية بين شركات النفط ومجتمع الأعمال للعلن، كما كانت الحال في فضيحة الفساد المدوية التي أجبرت وزير الطاقة السابق شكيب خليل على الفرار.

قطاع صناعي يندثر
مثل جميع البلدان الخاضعة للمتلازمة الهولندية، لا تستطيع الجزائر تشغيل رافعات النمو الأخرى، لأن القطاعات الصناعية العامة والخاصة ضعيفة بنفس درجة قوة الاعتماد على المواد الخام.

وتشهد المؤسسات العامة كالنفط والنقل والاتصالات السلكية واللاسلكية -التي تولد نصف الثروة الصناعية للبلاد- انخفاضا هيكليا في مستوى إنتاجها، لذلك وجدت البيانات التي جمعتها غزيرفي أن مستوى الإنتاج الصناعي سنة 2017 لا يتعدى نصف إنتاج عام 1989.

ويقول الكاتب إن ضعف إنتاج المؤسسات العامة -المرتبط بالتباطؤ في النشاط الاقتصادي- أدى إلى قلة استخدام الطاقة الإنتاجية، وبالتالي تم استغلال نصف مرافق الإنتاج المتاحة فقط عام 2017.

سياسة التيسير النقدي التي اعتمدها المركزي قد تفرز مخاطر 

وأوضح الكاتب أن التخلُف الصناعي في القطاع العام لا يمكن تعويضه بالقطاع الخاص الذي يتكون بنسبة 80% من المشاريع الصغيرة التي هي بالأساس مشاريع عائلية.

والاقتصاد الجزائري لا وزن له في المنافسة الدولية -كما يقول الكاتب- لأن الفجوة بين الصناعة الجزائرية والعمالقة الأوروبيين أو الأمريكيين أو الصينيين هائلة.

خطر التضخم
ولمعالجة هذا النقص في الديناميكية، قرر البنك المركزي الجزائري دعم الاقتصاد بمليارات الدنانير -كما قال الكاتب- من خلال برامج التيسير الكمي التي أقيم في أوروبا والولايات المتحدة.

وقد ضخت المؤسسة المصرفية في الاقتصاد -وفقا لأحدث الأرقام المعروفة- أكثر من أربعة آلاف مليار دينار (34 مليار دولار) منذ نوفمبر2017 بهدف تعزيز النمو وتحفيز الاستثمار من قبل الأسر والشركات.

ولكن هذه السياسة النقدية التوسعية لا تخلو من الخطر -حسب وصف الكاتب- إذ أن وفرة السيولة في سياق الاقتصاد المنكمش يمكن أن تؤدي إلى التضخم المفرط الذي ستكون عواقبه كارثية على الاقتصاد الوطني.

المصدر: صحف فرنسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *