لا شك أنَّ الحلم الجيد أمرٌ مُبهجٌ وجميلٌ لكن يبقى تحقيقه هو الأجمل،والإحساس به شيء يفوقُ الوصف،تظل ذكراه باقية لا يمحوها الزمن مهما طال،ولا تبدلها الأماكن مهما تغيرت.

وفي مطلع الثمانينيات من القرن الماضي،حلُم الجزائريون،بأن يكون الظهور الأول لهم في بطولات كأس العالم،في النسخة التي نظمتها إسبانيا في العام 1982،حلمهم لم يأتِ من فراغٍ،فمنتخب الجزائر وقتها كان يمتلك جيلاً عظيمًا، على قدر المسؤولية وثقة الجماهير فيه،إذ نجح في كتابة التاريخ بالتأهل للمشاركة في كأس العالم للمرة الأولى في تاريخهم.

ومع هذا التأهل ولد حلمًا أكبر،فلم يعد يكفيهم مجرد المشاركة،بل أصبح أملهم هو التقدم في البطولة،وتخطي الدور الأول،لكن آمالهم هذه اصطدمت بمجموعة قوية، ضمت ألمانيا، والنمسا، وتشيلي.

كان يُنظر وقتها للجزائر على أنَّها الحلقة الأضعف،بينما لم يكن لدى محاربو الصحراء خيار آخر سوى الأمل،والتمسك بالحلم،وباتت جماهير “الخُضر” تنتظر انطلاق البطولة، بشغفٍ شديدٍ لترى ما ستفعله كتيبتهم خلالها.

الفوز على ألمانيا

جاءت مباراتهم الأولى أمام الماكينات الألمانية في مدينة خيخون الإسبانية،التي كانت على يقين بأنَّها ستستحقهم وتتغلب عليهم،فالمهمة بدت لهم سهلة،خاصة وأنّها أمام فريق يتحسَّس خُطاه في البطولة،ثقة الألمان،وصلت إلى حد الاستهزاء، فقال أحد نجوم  الفريق، آنذاك:”سأُسجِّل بنفسي الهدف الثامن في مرمى الجزائر”،وصرح حارس الماكينات شوماخر،بأنَّ المباراة لن تأخذ منه مجهود،وقال ساخرًا إنَّه سيخوض اللقاء بالبذلة الرسمية، بينما كان الجزائريون،في انتظار المفاجأة،وأن يقدم منتخبهم عرضًا مرضيًا لهم.

ويبدو أنّ السحر انقلب على الساحر وحدث ما لم يكن متوقعًا، المفاجأة كانت مع بداية اللقاء فمحاربو الصحراء، قدَّموا مباراة رائعة، أداء يقول بأنَّهم يملكون الموهبة والمهارة، وأنهم جاءوا لتحقيق شيء في البطولة.

 

لم يكن معقولًا ما يحدث، أو عاديًا بل كان مبهرًا، كانت مفاجأة من العيار الثقيل، وباغت المنتخب الجزائري بتسجيل هدف التقدم،بأقدام رابح ماجر،ومعه دموع الفرح، والفخر للجزائريين،ونجح الألماني رومينيجي في إحراز التعادل،ذلك الهدف الذي لم يكن مُحبطًا للجزائر،فبعد دقيقة واحدة،ردَّ الأخضر بلومي بالهدف الثاني،لمحاربي الصحراء، والذي كان كفيلاً للفوز بالمباراة.

خسارة قاسية أمام النمسا

بعد ذلك، عاش المنتخب الجزائري نشوة الفوز المبهر، فدخل المباراة الثانية أمام النمسا بمستوى غير الذي قدمه أمام ألمانيا، ليخسر بهدفين دون رد.

لكن الجزائريين،سرعان ما استعادوا ثقة جماهيرهم فيهم،وقدموا أداءً رائعًا في المواجهة الثالثة أمام تشيلي وتقدموا بثلاثية نظيفة خلال الشوط الأول،كانت هذه النتيجة، كفيلة بنقلهم للدور الثاني دون النظر إلى أي شيء، لكنهم استقبلوا هدفين في الشوط الثاني، ما جعل مصيرهم معلق بالمواجهة الأخيرة بين ألمانيا والنمسا.

كانت جماهير الجزائر، تعلق الكثير على تلك المباراة، التي لم يكونوا طرفًا فيها لكنها يمكن أن تكون لهم طوق النجاة، وكانوا في انتظار أن يُكمل المونديال هداياه لهم ومفاجأته السعيدة عليهم.

مباراة ألمانيا و النمسا تغتال حلم الجزائر

كان التعادل،أو فوز النمسا كفيل بتحقيق حلم محاربي الصحراء، لكن حدثت المفاجأة  مفاجأة حزينة على كل جزائري، كانت مثل الكابوس، أو مثل الصاعقة التي أصابتهم، بعدما اتفق المنتخبان على الإطاحة بالجزائر،ففي اليوم التالي، حيكت المؤامرة، وفي الدقيقة العاشرة من اللقاء، أحرزت ألمانيا هدف المباراة الوحيد، ومن بعدها لعب الفريقان بشكل مفضوح للغاية.

اكتفى الفريقان بمناقلة الكرات بينهم دون أي هجوم، وغابت الفرص الهجومية للنمسا على مرمى الماكينات، ووقف العديد من اللاعبين أثناء اللعب، الأمر الذي استفز الجماهير، وتعالت صيحات الاستهجان ضد ما يحدث

حاولت الجزائر،الحفاظ على حلم جماهيرها التي تستحق الفرحة، بالتأهل، والتمسك بحقها، فقدمت اعتراضًا للاتحاد الدولي، الذي رفض الاعتراض، وأقرَّ نتيجة المباراة.

 

 

 

لكن وبعد سنوات كثيرة، جاء الرد بتأييد موقف الجزائر على هذا الاعتراض، ليس من “الفيفا” لكن باعترافات عدد من لاعبي ألمانيا بالواقعة،التي تركت غصة في قلوب “الخضر”، وجماهيرهم في الثمانينيات،وقال الحارس شوماخر:”خجلت من نفسي بعد مهزلة لقاء النمسا،واليوم وجب منا تقديم الاعتذارات لمنتخب الجزائر، ولكل الجزائريين لأنَّ ما فعلناه غير لائق، ولا يُشرِّف أي رياضي”،المدافع  الألماني بريجل، قال كذلك:”أشعر بالندم لما فعلناه،فقد توقفنا عن اللعب حتى لا تُقصى النمسا،وكان بمقدورنا تسجيل هدفين أو ثلاثة لكننا اتفقنا على عدم إضافة الهدف الثاني حتى نتأهل معًا ضد الجزائر”،وأضاف:”هذا عار علينا، وسيبقى يلاحقنا طوال حياتنا”.

وأكد أولي شتيليكي،هو الآخر:”ما قمنا به غير لائق وسيبقى وصمة عار في جبيننا، وفي سجل ألمانيا،وتأثرنا كلنا بعد نهاية المباراة،وأضاف:”جماهير ملعب خيخون شاهدت الفضيحة على المباشر، والصفير، والرايات البيضاء كانت مشهدًا مؤثرًا جعلنا لا ننام في تلك الليلة،ولو تعود بنا عجلة التاريخ إلى الخلف فلن نكرر هذا السيناريو المخجل”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *