آسف على هذا العنوان فقد تكلم الله على هذا الشهر وذكره بخصلة لا توجد في غيره من الشهور بأنه شهر نزل فيه القرآن وأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره بخصال عديدة وأن العلماء بينوا مكانته فهو مدرسة لتربية وتهذيب ،السلوك ومحطة لمراجعة الذات ومحاسبة النفس لكن بعض الناس يريدون طمس معالم الخير فيه ويصومونه صوما صطحيا
ويجحدون نعم الله بل يبذرون ونحن أمام وباء قاتل وآفة العصر نحتاج إلى الدعاء ورفع الأيدي للسماء،نطلب الله عز وجل أن يرفع عنا هذا البلاء وهذا الوباء لكن الله يقول
لعباده أدعوني وأدبعها بشروط استجابة الدعوة: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ 186 البقرة
فآفة التبذير استفحلت في المجتمع وأصبحت ثقافة وحضارة وتقدم سألنا علماء التغذية وما يأكله الإنسان من زيادة في الطعام وما يحتاجه جسمه فقالوا بأنه تبذير ومضر للصحة.
سألنا أهل الاقتصاد من غير المعقول أن يزداد الاستهلاك في شهر الصيام أي يأكل الإنسان مرتين يفترض أن يقتصد ثلث طعامه!
سألنا علماء الدين فأجمعوا على أن الصيام شهر الجوع والعطش لنعرف نعمة الله علينا ومعرفة الفقير الذي يجوع طوال السنة ،اتقوا الله أيها الصائمون ، إنَّ الإسراف والتبذير والتَّرف والمباهاةَ سلوكيات استهلاكية خطيرة،فهي مظاهر لا ينبغي لها أن تكون في رمضان ، قال تعالى إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا .تصوم وتبذر بحجة انك صائم وهل ينفعك صومك عندما تكون من إخوان الشياطين فتأمل لأنك لم تفهم معنى الصوم كفى بهده الآية واعظا لو تدبر الصائمون هذه الآية لكفتهم،ويقدرون المعنى هكذا: إن الصائمين المبذرين إخوان الشياطين، أليست هذه الآية كافية ..للمبذرين ؟ وصدق القائل: ما رأيتُ إسرافاً إلا وبجانبهِ حَقٌّ مُضيَّعٌ. وقول الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- كلمته المشهورة: ما جاع فقير إلاَّ بما تَمتَّع غنِي ..
هل الخلل فينا أم في رمضان ؟ تجتمع إجابتنا على أن رمضان شهر القرآن شهر لتدريب النفس على المكاره شهر التوبة والغفران شهر لمعرفة نعم الله علينا شهر تغلق أبواب النيران وتصفد فيه الشياطين شهر التقوى بشهادة القران . نذكر تلميحا استحياء من شهر القرآن. إن ما نسمع و نرى ما يحدث في شهر الصيام ، من مظاهر الإسراف والتبذير في المأكل والمشارب،ولربما شاهد البعض منكم هذا الأمر مباشرة، من صور للطعام بأنواعه، والخبز بأشكاله، وهي مرمية في حاوية النفايات، مع القاذورات والمهملات، في طريق الصائمين وهم متوجهين إلى المسجد لصلاة التراويح !أي في السنوات الماضية.
أن الإسراف والتبذير، مسلك خطير، وداء مهلك، ومرض ينبت أخلاقاً سيئة،ويهدم بيوتًا عامرة، وقد جاء التحذير منه في كتاب الله تعالى، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما نراه اليوم في شهر الصيام من تجاوز الحد في الإنفاق والبذخ، والتفاخر بالموائد والأطعمة، والتنافسٍ في إهدارٍالمال ، يوضح مدى ما يعانيه المجتمع، من غفلة عن المنهج الرباني، الذي أمر بالتوسط وعدم الإسراف. كما في قوله سبحانه: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا
وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ الأعراف: 31.
أيها الصائمون : لا تغتروا بما ترونه من وفرة الأطعمة في أسواقكم وبيوتكم، ولا تغتروا بما معكم من أموال وخيرات، واعلموا أن الله تعالى يبدل من حال إلى حال. و الله قادر على عقوبتكم إن لم تشكروه، وتقدرواللنعم التي بين أيدكم حق قدرها، ألم تسمعوا قول الحق جل وعلا : وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ النحل: 112. أيها الصائمون إن الله أغناكم بعد فقرٍ، وأطْعَمَكم بعد جوعٍ، وهداكُم بعد ضلالةٍ، وفتحَ لكم من أبوابِ الخيرِ، وسُبُلِ الرِّزقِ، مالم يكن لكم على بالٍ، فاشكُروا اللهَ تعالى على ذلك حقَّ شكرِه ولكن ، ما هكذا تشكرالنعم، وتدفع النقم.
وننبه أن شهر رمضان ليس شهر للوليمة نصرف فيه ما لا نصرفه في السنة كلها.. شهر الصيام انزلق فيه عامَّة الناس إلى مَساوئ التقليد الأعمى للأُمَم المادية المتْرَفة واتَّسمت حياة الكثيرين بالتكَلُّف والإسراف في ولائمهم وأعيادهم وحياتهم حتى أصبح شهر رمضان وليمة كبرى باهظةَ الثَّمَن ورمضان في كلِّ عام موسمًا للسَّرف والتَّرَف بدلاً من أن يكون عبادة وتهجُّدًا، أنسِيَ هؤلاء المسرفون أم تناسَوْا أنَّ من الناسِ أُمماً يموتون جوعاً، لا يجدون ما يسدُّون به جوعِهم، ولظى عَطَشِهم، أم نسِيَ هؤلاء قول الله تعالى: ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ، هذه دعوة وتبصرة وذكرى للصائمين اللهم بصرنا بعيوبنا آمين .
الأستاذ/قسول جلول إمام مسجد القدس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *