استقبال الشهر الفضيل هذه السنة يكون مميزا وأشد تأثيرا على النفوس،لأننا  عهنا منذ عقود من الزمن أن نستقبل الشهر الفضيل بنمط معين منها اللقاءات والنشاطات الفكرية ، والمسابقات ، والتراويح ، وامتلاء المساجد ،والسهر ليالي رمضان الخ، هذه السنة و في زمن جائحة كورونا يختلف لفقدان
ما اعتاد عليه مما سيترك أثرا كبيرا على نفسية المؤمن لحرمانه مما ذكر.
ومن ثم يكون هذه السنة استقبال رمضان بمراجعة الذات ومحاسبة النفس وتفقد درجة إيماننا بالله ، ومفهومنا لما تعبدنا الله به ، وكيف نعبد الله عز
وجل وكيف نتعامل في الاستثناءات والظروف غير العادية،وأن الله عز وجل لينظر كيف تعملون وأنه لا تكليف إلا بمقدور ،وأن الله يحب أن تؤتى
رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه والله الله عز وجل يعطينا أجر الصائم والقائم لأن الأعمال بالنيات .
وكما تعلمون أن العالم يمر بأزمات ومحن ومصائب كثيرة لعل منها أزمة انتشار الأوبئة والأمراض والطواعين الفتاكة التي تفتك بالبشر ولم تكن على سالف عهدهم بل وتفتك بالحيوانات العجماوات التي يعتمد عليها الناس في
طعامهم وشرابهم فقد سمعنا بوباء جنون البقر وحمى الوادي المتصدع،وانفلونزا الطيور والخنازير والآن وباء كورونا وانتشر في أنحاء من العالم،وقد حار العلماء في معالجته وخلف عددا كبيرا من الوفيات وخسائر اقتصادية،ما جعل العالم يدق أجراس الخطر وتتوالي الجهود لمحاربته ووقف انتشاره،ناهيكم عن الرعب والخوف من نتائجه ومآلاته.
ونقف اليوم هذه الوقفات لنبين منهج الإسلام في معالجة الأوبئة فإن الناس،مع ضعف عقائدهم وقلة علمهم بالشرع يتخبطون ويتعلقون بالأسباب المادية
البحتة وينسون الأسباب الشرعية التي تحميهم من الوباء والبلاء.

فهذا وباء استنفرت لأجله وزارات الصحة في العالم و‏أغلقت بسببه مدارس وجامعات وعطلت مصالح و‏هز اقتصاد العالم وهو ‏فيروس لايرى بالعين المجردة،فما أضعف الإنسان أمام قدرة الله ! وخلق الإنسان ضعيفا . مخلوق ركب
الطائرات بلا تذاكر، وتجاوز نقاط التفتيش بلا تحايل ، ودخل الدول بلا جوازات، وعبر القارّات مع شدّة التدابير والاحترازات ، ذلك ليعلم العالَم
أن أمر الله نافذ، وأنه على كل شيء قدير ، وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَومٍ سوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُم مِن دونِهِ مِن والٍ .
وإذا كانت الدول والشعوب تقلق وتخاف من انتشار الأوبئة والأمراض وتتخذ كافة السبل وتجند كل الطاقات وتشتري كل الأدوية مهما غلا ثمنها وهذا أمر مطلوب وواجب ولكن أما تنبه الناس إلى مرض خطير وفتاك يفتك بالأمم والشعوب
وضرره على الناس أشد ضررا من السموم على الأبدان ألا وهو داء الذنوب والمعاصي؟ ومخالفة أمرالله من أعظم أسباب البلاء وحلول الآفات واندثارالخيرات وقلة البركات، وإن من الوقاية من الذنوب والمعاصي الأمر بالمعروف والنهي من المنكر فهو صمام الأمان من هلاك الأمم والجماعات قال تعالى :وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ، فالواجب أن تتكاتف الجهود في القضاء على وباء المعاصي
والمنكرات حتى لا تغرق السفينة، فالذنوب والمعاصي هي سبب البلاء والنقمة
ونزول الآفات فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة.
إن الله تبارك وتعالى قد يبتلي العباد ويمتحنهم ليعلموا فقرهم وحاجتهم إليه وأنه لا غنى لهم عنه رغم ما تقدموا فيه من العلم ورغم ما وصلوا
إليه من الطب ورغم ما عندهم من المال إلا أنه يبقى حائلا دون كشف الكربات ،وقضاء الحاجات فلا يكشف الضر إلا الله ولا يدفع البلاء إلا الله ولا يشفي من المرض إلا الله القائل : وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ، أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ
خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ.
ومن هدي الإسلام في التعامل مع الوباء عدم الذهاب إلى الأرض التي ينتشر فيها، وعدم الخروج منها يدل لذلك ما رواه عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا سمعتم به يعني الطاعون بأرض
فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه ، رواه البخاري ومسلم. فنهى عليه الصلاة والسلام عن التعرض للمكان الذي ينتشر فيه الوباء والمرض والخروج منه.
ومن هنا أخذ العلماء رحمهم الله الحكم فيما ينبغي على الناس في مرض الطاعون وما شابهه من الأوبئة، وهو أن من كان خارج نطاق المرض والوباء فإنه ممنوع من القدوم على المكان الموبوء ويؤيد ذلك قوله تعالى:وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إلى التَّهْلُكَةِ، وقوله تعالى:وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا. وحتى لا يصاب بالمرض فيداخله حينئذ التسخط والتحسر والتمني ولو أنه لم يأت ما كان
له ذلك!
ومن هنا يعلم أن ما تفعله السلطات الصحية في بلادنا ، حرسها الله ،من الحجر الصحي ومنع السفر لأماكن الوباء وتعليق العمرة والزيارة مؤقتا هو من هذا الباب والهدي الإسلامي ويحقق مقاصد الشريعة في حفظ النفوس والابدان فالواجب التعاون معهم في ذلك .
بقلم الأستاذ/قسول جلول

باحث وإمام بمسجد القدس حيدرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *