هل إخراج زكاة الفطر طعاماً أو نقداً هو صدام بين “النص والرأى” أو “السنة والبدعة”؟
من المعلوم أن الأحكام الفقهية على نوعين:
1-أحكام تعبدية (غير معقولة المعنى أى لا يُبحث فيها عن العلة) كعدد ركعات الصلاة وبداية وانتهاء الصيام.
2- أحكام معقولة المعنى (يُبحث فيها عن العلة) كمشروعية البيع وتحريم الربا.
وبناء على هذا التقسيم, فقد انقسم العلماء فى زكاة الفطر إلى فريقين:
1- الفريق الأول وهم الجمهور (السادة المالكية والشافعية والحنابلة ومن وافقهم) : والذين رأوا أن زكاة الفطر من الأحكام التعبدية (غير معقولة المعنى) وبالتالى لا يُبحث فيها عن العلة , وعليه فقد التزموا بما ورد فى الحديث من أصناف الطعام كحديث أبي سعيد الخدريّ فيما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: (كُنَّا نُخْرِجُ إذْ كانَ فِينَا رَسولُ اللهِ زَكَاةَ الفِطْرِ، عن كُلِّ صَغِيرٍ، وَكَبِيرٍ، حُرٍّ، أَوْ مَمْلُوكٍ، صَاعًا مِن طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِن أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِن تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِن زَبِيبٍ), وقالوا بعدم جواز إخراج زكاة الفطر نقدا.
2- الفريق الثانى وهم الحنفيّة، وبعض أئمة السلف؛ كسفيان الثوريّ، وعمر بن عبد العزيز، والحسن البصريّ، وإسحاق بن راهويه، وأبي ثورٍ؛ واختاره البخاري صاحب الصحيح ومن وافقهم : والذين رأوا أن زكاة الفطر من الأحكام (معقولة المعنى) وبالتالى يُبحث فيها عن العلة , وقالوا أن العلة هي إغناء الفقراء والمساكين، وسدّ حاجتهم، وقد يتحقّق ذلك بالمال بصورةٍ أبلغ وأعظم، وتحديد بعض الأصناف في الحديث الذي استدّل به أصحاب القَوْل الأول؛ إنّما هو على سبيل المثال لا الحصر، حيث إنّها أموال لها قيمةً شرعاً، وهي الأموال التي كان الناس يبيعون ويشترون بها، وقد اختلف ذلك الحال؛ إذ أصبح البيع والشّراء بالنقود. وبناء على ذلك قالوا بجواز إخراج زكاة الفطر نقدا بل وتفضيله عند حاجة الفقير للمال.
وبناء على ما سبق يتبين ما يلى :
1- أن المسألة ليست خلافاً بين النص والرأى أو بين السنة والبدعة، أو كونها مقارنة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين أبي حنيفة رحمه الله تعالى ومن تابعه، فالنبي الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- لا يعارض قوله برأي أحد من البشر. بل هو خلاف بين الفقهاء في فهم النصوص وطريقة الجمع بينها وفق قواعد فقهية محكمة.
2- من السذاجة تصور أن الخلاف ناشئٌ عن عدم وصول الدليل إلى الأئمة أمثال أبي حنيفة والبخاري (جامع الصحيح) وسفيان الثورى (إمام أهل الحديث فى زمانه) وابن تيمية وعشرات العلماء بعد ذلك أو أنهم تعمدوا مخالفة السنة، واعتبار هذا الظن من تبرئة ساحة الأئمة رحمات الله تعالى عليهم.
3- أن الاجتهاد الذى لا يجوز مع وجود النص هو الاجتهاد مع وجود نص قطعى الثبوت قطعى الدلالة (فلا اجتهاد فى القطعيات), أما الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال أو التأويل صار ظنياً (وإن كان قطعى الثبوت فهو ظنى الدلالة) فيكون مجالاً للاجتهاد في فهم النصّ أو تطبيقه.
4- لا ينبغى استخدام بعض العبارات فى هذا الخلاف الفقهى المعتبر, كإسقاط البعض لقول الله تعالى (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أويصيبهم عذاب أليم) على هذه المسألة, أو استخدام عبارات مثل (إخراج زكاة الفطر طعاما وحي ، وإخراجها قيمة رأي فاتبعوا الوحي ولا تتبعوا الرأي) وهى جملة أراد أصحابها أن تكون قولا مأثورا يسير به الركبان وهي خاطئة في مقدمتها ونتيجتها ؛ وأعتبرها من الابتداع في الدين ؛ لمخالفتها هدي سلف الأمة في فهم نصوص الشرع حيث أقروا تعدد الأفهام المبنية على النظر الصحيح من غير جزم بتخطئة المخالف.
والله تعالى أعلى وأعلم منقول
بقلم الاستاذ قسول جلول
باحث وامام مسجد القدس حيدرة