تعودنا دائما على أن تكون أفريقيا أرض نزاعات وتوترات، واقتتال داخلي على أسس عرقية ودينية، أو صراع بين دولتين على حدود وهمية، تعودنا أيضا أن يقتل الأفارقة بعضهم البعض عن طريق الحروب بالنيابة، وأن يتحصل المقتتلون على ما لذا وطاب من الأسلحة من طرف الغرب، ليكون الثمن خيرات إفريقيا المنهوب وتعاسة المواطن الإفريقي.

تعودنا على أن تكون إفريقيا موطناً لنماذج عدة من الدول الفاشلة، وتكون بيئة خصبة للهشاشة، وتشكل حالات معدية من الأزمات التي تتفشى في كل مرة مثل ما يتفشى الطاعون أو الملاريا، وطبعا كل هذا يحدث برعاية غربية، فالغرب يقتل ويعزي، ينهب ويرسل المساعدات، يُحرض على الإنقلاب ويزينه، ثم يُدين المنقلبين ويُعاقبهم، هذا هو المشهد العام لإفريقيا منذ أن قيل أن الدول الأفريقية قد استعادت استقلالها.

لكن اليوم هناك شيء ما قد تغير، إفريقيا التي تودعت استقبال الوسطاء والمراقبين والمحتسبين على حقوق الانسان وحقوق أي شيء، نجدها اليوم تتحول إلى وسيط، ووسيط مُرحبا به، في الحرب بين أوكرانيا كممثل للغرب، وبين روسيا كطامح لأن تتقاسم السيادة على عالم مع الغرب على الأقل، أن لم يكن طموحها أكبر، وربما هذا جعل إفريقيا تُجرب حظها، وتدلي بدلوها وتحاول أن تنتقل من دور الضحية إلى دور الوسط، وهو دور لم تقم به إفريقيا من قبل، والمشكلة أنه في صراع بين عملاقين أحدهما يقاتل بشكل مباشر والآخر نيابة عن تكتل تقليدي لم تعد أحواله على ما يرام.

منذ أن مسحت كورونا به الأرض وبمنظومته الصحية، وأثبتت أن الغرب يعيش على طريقة معا لكن فرادا ، حتى على مستوى الحكومات والدول، وهي نفس الفترة التي استفاق فيها الدب الروسي والتنين الصيني، ووجد العالم نفسه مضطراً للاختيار: فإما أن يكون شرقيا وأما أن يكون غريباً فلم يعد هناك مكان في الوسط.

إفريقيا ومن خلال الوساطة التي تقوم بها، وقبول كل من روسيا وأوكرانيا تلك الوساطة نجدها تتحرك خارج المربع الذي حدد لها منذ زمن، ونجدها تتحول إلى لاعب دولي يريد أن يُنهي عقوداً من التبعية ومن التدخل الغربي المباشر وغير المباشر في شؤون القارة السمراء، لكن اليوم كل من الغرب والشرق يريد استمالة الأفارقة ولذلك وجب إظهار نوع من الاحترام لهم.

إن إفريقيا التي تم اقناعها بأنها مصدر للفوضى، أصبحت اليوم تُعلم العالم الهدوء وأصبحت تتوسط من أجل الحوار ومن أجل إسكات صوت المدافع وإسماع صوت العقل والرجاحة، وهذا ما يعتبر تحولاً جوهريا في المجتمع الدولي، وفي طبيعة الأدوار المسندة لمختلف الفاعلين فيه، وربما هي فرصة يجب على الأفارقة اغتنامها وحسابها، ولعبها جيدا، فكل شيء يُشير إلى أن هناك واقعاً جديداً سيعرفه العالم بعد نهاية الأزمة الأوكرانية، وكل محور أو طرف سيكون حجمه ودوره في هذا الواقع الجديد مرهوناً، بالدور الذي سيلعبه في حل الأزمة الأوكرانية، ونوع الصدقات والتحالفات التي كونها، وطبيعة العلاقات التي رسمها مع أصدقائه وأعدائه، وكل ما أتمنها أن تكون إفريقيا تتوسط وهي تعرف جيداً ما ستجنيه من لعب دور الوسيط، في عالم بات مفتوحاً على كل الاحتمالات.

بقلم: كــرايس الجيــلالي*

* استاذ علم الاجتماع السياسي – جامعة تيسمسيلت

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *