قيل أن أحد ضباط المخابرات في دولة عربية(مشرقية) طلب من أعوانه ان يحضروا له أستاذا للرياضيات، وكان القصد من هذا الإحضار هو أن يطلب منه إعطاء دروس خصوصية لابنه، نفذ الرجال أمر رئيسهم فأحضروه وأدخلوه مباشرة إلى الحجز les geôles. بعد ساعات سأل الضابط أعوانه عن أستاذ الرياضيات فأخبروه بأنهم أحضروه وقد اعترف بكل شيئ !!! . ولا شك أن هؤلاء أرادوا إرضاء رئيسهم كالعادة، لأن المخابرات في أذهانهم هي هكذا. غير أن المخابرات في أصلها تعنى التجسس على العدو الأجنبي.

وذلك لمعرفة كل شيئ عنه لاسيما نقاط القوة والضعف عنده ،و خططه ومايفكر فيه ،وبغرض الاستعداد لمواجهته.

أما تتبع المواطنين ومعرفة كل شيئ عنهم وكأنهم عدو يحتمل مواجهته في يوم من الأيام، فهو نوع آخر من التخابر يمكن أن نسميه التخابر الداخلي، وهو أمر أصبح مقبولا إلى حد ما، غير أنه لا يجب أن يأخد من الحجم والإهتمام أكثر مما يستحق وإلا أصبح العدو الأول للدولة هو المواطن وليس الأجنبي. وبالفعل فقد زرع فى أذهان الناس أن المخابرات تعرف كل شيئ عن المواطن وتقدر عن كل شيئ وهي تمهل ولاتهمل. فهي – أي المخابرات- تخرج الملفات في الوقت المناسب لتواجه به من تريد، وقد أصبح متداولا في اللغة الشعبية أن فلان (جبدولو) ملف يعود إلى وقت كذا.

فإذا سألت لماذا بقى هذا الملف حتى هذا الوقت ، كان الجواب يتراوح بين أن الشخص المعني كان محميا، أو انه كان يبتز من طرف الذين بيدهم الملف. ونعني بالإبتزاز أن يقال لصاحب الملف إما وإما!!.

وبذلك تصبح كل الأطراف مورطة، المخطئ والذي غطاه والذي استغله. ولقد تولد عن هذا الوضع المتنافي مع القانون والأخلاق، أن أصبح كل مواطن يبحث على مثالب وأخطاء الغير ويسجلها بشكل او بآخر، وهو يعتقد أنها الوسيلة الأكثر فعالية لحماية نفسه من شرور غيره، أو تحصين نفسه من أية متابعة، فغيره يخشاه لأنه يعرف نقاط الضعف عنده.

وهكذ تحول الناس إلى مخبرين و انصرفوا بأذهانهم إلى تصيد أسرار و أخطاء غيرهم ورصدها و إخراجها عند الحاجة فقط.وذلك على حساب العمل الموكل إليهم، واصبح الرجل الأكثر معلومات عن عن مثالب الآخرين هو الأكثر اعتبارا.

جالست مجموعة من الإطارات وكان من بينهم عضو بمجلس الأمة وهو زميل دراسة، وأردت أن أستفز الجميع فقلت لهم:

عندما كنت شابا كنت أعتقد أن للدولة شيئ من صفات الله، من حيث أنها ترى ما لا نرى، وتعلم ما لا نعلم، وتقدر على ما لا يقدر عليه أحد، وتجازي المحسن، وتعاقب المسيئ..

وعندما كبرت وزادت تجربتي في الحياة، أيقنت ان الدولة هي بمثابة كائن صخم الجثة، ثقيل الحركة ضعيف السمع والبصر و..

فالتفت إلي السيناتور وقال :

أنت مخطئ، الدولة هي كما كنت تراها عندما كنت شابا.

وعندما حاولت الرد عليه، أضاف؛

لا تحاول، فإن الدولة تراك وتسمع الآن ماتقول، وضحك وضحكنا جميعا، وفهمت أن السيناتور أراد أن يقول لي أن المخابرات حاضرة في مجلسنا.

وعندما انفض المجلس وبدأنا في الانصراف التفت إلي ليتأكد من فهمي وقال؛ هل فهمت ماقلت لك.

الأستاذ بودريعات محمد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *