يوثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ،جائحة كورونا نموذجا.
إن مرض كورونا هومحطة تمييز وتمحيص واختبار للسلوكيات والأخلاق والقيم،قال تعالى: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ
انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ..الحج:11 ،وقال
تعالى، مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ
عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ آل عمران:179
كنت كتبت موضوعا حول الأخلاق والسلوكيات في الشدائد مرض كورونا ،أفرح كثيرا عندما أجد أمتي تتعاون تتضامن تتكافل تنفق وتتصدق وتأمر الناس بالتصدق لأن الظرف عسير،فما أكثر المتصدقين والمتصدقات والمتضامنين والمتضامنات والمحسنين والمحسنات .
ولكن ما أكثر الطماعين والطماعات والغشاشين والغشاشات تذكرت قصة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز مع أموال الزكاة جاءوا إليه بأموال الزكاة . فقال :أنفقوها على الفقراء فقالوا ما عاد في أمة الإسلام فقراء.توقفت عند هذه الكلمة ألا يوجد فقراء ولكن لا يوجد طماعين من أهل الجشع وحب الذات ،يوجد فقراء ولكن لا يسألون الناس إلحافا ،ولكن يوثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة .
هناك مظاهر لا ينبغي لها أن تكون : بعض الناس في عز الأزمة يتظاهرون بالحاجة والفقر سيماهم في وجههم من أثر الجشع والهلع وحب الذات يحلفون على الكذب وهم يعلمون فهم يتنافسون لأخذ ما يجود به الكرام ،ألا يكفيهم أنهم لا يتصدقون يريدون أخذ صدقات غيرهم عند نزول المصائب، وحدوث الفتن، واحتدام الصراعات والخلافات بين الأفراد
والمجتمعات والشعوب والدول، تظهر أخلاق وسلوكيات وتصرفات تنبئ عن نفسيات وقيم متأصلة في النفوس، ومبادئ توجه الإنسان في هذه الحياة، فتظهر حقائق كانت كامنة في النفوس، وقد تنكشف مفاهيم خاطئة يتبناها بعض الناس خيراً
أو شراً، قال تعالى وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً
وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ الأنبياء:35.
ونحن على أبواب شهر القرآن ؛ لنتذاكر شيئاً من معاني قاعدة قرآنية محكمة،وثيقة الصلة بموضوع الأخلاق في وقت الشدة جائحة كورونا ، إنها القاعدة القرآنية التي دل عليها قول الله تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الحشر: 9.
وهذه القاعدة القرآنية المحكمة ، في باب الأخلاق ، لها صلة قوية بتربية القلب وتزكيته، كما أن لها صلةً بعلاقة الإنسان بغيره من الناس جاءت في سياق الثناء على الأنصار رضي الله عنهم في سورة الحشر، قال تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ
بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ الحشر: 9 .
ومعنى هذه القاعدة باختصار لا يتضح إلا ببيان معنى الشح
فالشح ، في أصل مادته اللغوية ، الأصل فيه المنع، ثم يكون منعاً مَعَ حِرص، ومن ذلك الشُّحُّ، وهو البُخل مع حِرص،ولما كان الشحُّ غريزةً في النفس أضافه الله إلى النفس وَمَنْ يُوقَ
شُحَّ نَفْسِهِ وهذا لا يعني أنه لا يمكن الخلاص منه، بل الخلاص منه بالمجاهدة ولا يوفق إلا المفلحون.
فالشح يأمر بخلاف أمر الله ورسوله، فإن الله ينهى عن الظلم ويأمر بالإحسان، والشح يأمر بالظلم وينهى عن الإحسان.
فالشح الذي هو شدة حرص النفس ، يوجب البخل بمنع ما هو عليه؛ والظلمَ بأخذ مال الغير، ويوجب قطيعةَ الرحم، ويوجب الحسد.
فالله تعالى مدح بها الأنصار الذين فتحوا بيوتهم وصدورهم لإخوانهم من المهاجرين رضي الله عنهم أجمعين، رغم قلة ذات يد كثير منهم، وحسبك بهذه المدحة الإلهية، من العليم الخبير ، الذي يعلم ما تكنه النفوس:وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون َالحشر: 9.
فتأمل هذه الأعمال القلبية فهم يحبون ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا.والإيثار، يُؤثرونَ على أنفسهم في ذلك اختياراً منهم، والخصاصة:شدة الاحتياج
أيها القارئ الكريم نموذجاً ، لم تسمع الدنيا بمثله! فتأسى بالقرآن
الكريم وتمسك بسنة الأنبياء والصحابة والتابعين كيف جسدوا عمليا صفة الايثار والتضامن، فلنكن خير خلف لخير سلف،وخاصة في هذه الأيام العصيبة …ندعو الله عز وجل أن يرفع عنا البلاء والوباء آمين
بقلم الأستاذ/ قسول جلول
باحث وإمام مسجد القدس حيدرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *