“الناجون” تعكس صورة النضال الحقيقي المتمثل في البناء السلمي

أكدت الروائية المغربية في الجزء الثالث من حوارها أن زمن العنف قد ولى و حان وقت البناء السلمي و ما ما أكدته روايتها الناجون التي تحمل رسالة للشباب مفادها أن ومن العنف االثوري قد ولى و أن البناء يحتاج إلى صبر.

11ـ  المناضل الذي لا يغير نفسه لا يستطيع تغيير العالم . وهل للنضال معنى في عالم

اليوم ؟

النضال في أي زمان ضروري ، بل وواجب وخاصة في بلدان العالم الثالث التي ما تزال تعاني من البؤس والحرمان والميز الطبقي ، واحتكار فئة قليلة لثروات الشعوب. والنضال ليس بالضرورة ، عن طريق العنف الثوري كما كان في السبعينيات، وإنما بأشكال مختلفة ، وبوسائل سلمية . وليس بالضرورة ، أن يكون المناضل بطلا يتقن فن الخطابة ، ويقود المظاهرات ، أو أن ينتمي إلى الأحزاب السياسية التي أبانت في وطننا العربي عن فشلها في استقطاب الجماهير وتأطير الشباب ، لأن قياداتها برهنت على أن هدفها الأسمى هو المناصب وليس تغيير الواقع. لذلك ، إذا تمكن المرء من تغيير نفسه للأحسن ومن إيمانه بالقيم النبيلة ومساندته للقضايا العادلة، وتجنبه السقوط في مستنقع الفساد والتزم الصدق في تعامله مع الآخر ، وقام بعمله على أحسن وجه ، يكون بذلك نموذجا للمواطن الصالح وقدوة للآخرين . وهذا ما ركزت عليه في رواية ( الناجون ) . فالشخصيات الروائية كلها ناضلت في السبعينيات، وآمنت بالفكر الاشتراكي وبقيمه الداعية إلى الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، واقتنعت مع تطور الزمن ، أن الأساليب النضالية التي كانت متبعة في زمنها لم تعد صالحة في هذا الزمن ، فغيروا أساليب نضالهم وحصروه في النضال الاجتماعي سواء في مجالات عملهم ، أو عبر المجتمع المدني الذي عوض الأحزاب السياسية ذات القيادات الهرمة . وحتى عبد العاطي المناضل الذي لجأ إلى فرنسا هربا من الاعتقال، وبقي مغتربا هناك زمنا طويلا عندما عاد قرر أن يبني مستشفى في الجنوب الصحراوي المهمش لخدمة المواطنين البسطاء . هذا ما فكرت فيه شخصيات رواية  الناجون عندما سلمت المشعل للشباب ولسان حالها يقول: لقد ولى زمن العنف الثوري، وجاء زمن البناء السلمي… لقد تلاشت رغبة السرعة في التغيير، وحلت محلها القدرة على الصبر والمضي ببطء… من يدري ؟ قد تحقق السلحفاة ما لم يستطع الأرنب تحقيقه؟

12 ـ  أحقا الرعب من الموت هو الذي يخلق الفن ؟ لماذا لا يكون الأمل والتذكر والألم هو الذي يخلق الفن ؟ 

دعني أذكر القارئ بكون هذه الفكرة ليست لشخصية من شخصيات الرواية ، وإنما هي للكاتب الفرنسي أندريه جيد جاءت بها الشخصية الفرنسية فرانسواز في حوارها مع عبد العاطي حول شجاعة إنسان الصحراء الذي لا يهاب الموت . فهو يرى أن عدم الخوف من الموت هو السبب في غياب الفن عند العرب قديما، لأن الرعب من الموت هو الذي يخلق الفن . واستشهد بالإغريق مرجعا فنهم العظيم إلى قدرتهم العالية على رفض الموت . هذا الرأي يمكن الاتفاق معه إذا ما اعتبرنا أن الإبداع في جوهره يحركه الخوف من الموت والرغبة في الخلود . وأنه نتاج لرفض الواقع والحلم بواقع أفضل . ذلك أن الذي يرضى بالواقع ويستسلم له لا يمكنه أن يبدع أدبا عظيما. وهذا الرأي لا يتناقض مع الشق الثاني من السؤال في كون الألم والأمل والتذكر عناصر تساهم في خلق الفن . فعدم الاستسلام للألم ورفض النسيان الذي يفرضه الموت والأمل في واقع أفضل كلها عناصر تدل على رفض الموت سواء منه المادي أو المعنوي .

13 ـ  إذا غاب الجسد غاب الحب عند الرجال لماذا ؟ وهل ينطبق على النساء ؟ ولماذا ؟

أكيد أنك تشير في سؤالك هذا، إلى نظرة حسناء في رواية  الناجون إلى حب الرجال الذي ترى أنه يكون في القرب أقوى منه في البعد لأنهم حسب تعبيرها يحبون موضوع الحب… وموضوع الحب هو الجسد وإذا غاب الجسد غاب الحب معه، وفكرتها هذه نابعة من تجربتها مع رفيقها الذي تزوجته عن حب وتفاهم، وأنجبت منه ابنتها ولكنه عندما ذهب إلى فرنسا لاستكمال تعليمه، تعرف على امرأة فرنسية أحبها وتزوجها ، وبعث إلى زوجته بورقة الطلاق. أما هي، فرفضت الزواج بعد ذلك لأنها كانت تحب رفيقها حبا حقيقيا لم يستطع الزمن أن يطفئ لوعته أو ينسيها غدر الحبيب. لذلك تقول في الرواية الرجال ليسوا كالنسا  حب النساء في الغياب، أقوى من حبهن في الحضور.

أما عن رأيي الشخصي ، فيمكنني الاتفاق مع حسناء إذا ما نظرنا إلى المسألة في عموميتها. لأن الواقع يثبت أن الرجال أكثر انجذابا إلى الجسد ، وأنهم غالبا ما ينسون الحب بسرعة ، وينساقون إلى الشهوات والرغبات بشكل أكبر . والأمر الذي يستفزني هو نسيان الرجال الأرامل لزوجاتهم بسرعة مذهلة وصادمة . معروف لدى عموم المغاربة أن الأرمل يبدأ البحث عن زوجة جديدة من المعزيات ، وأنه يتزوج بعد أربعين يوما أو أقل ، على وفاة رفيقة عمره . أما الأرملة ، فنادرا ما تتزوج بعد وفاة زوجها وخاصة إذا كان لديها أبناء . فهي تبقى وفية لعهد زوجها ومحافظة على أولادها. ولذلك عندنا مثل شعبي يقول عن اليتيم : إلى ماتت الأم توسد العتبة ، وإلى مات الأب توسد الركبة ،بمعنى أن يتيم الأب تحضنه أمه ، أما يتيم الأم فمصيره الطرد من البيت من طرف زوجة أبيه .

 

هذه ظاهرة عامة ، لكن هناك دائما الاستثناءات . كما أن الحب إذا كان قويا ومبنيا على أسس صحيحة ، فإن الجسد لن يكون له أي تأثير سواء كان حاضرا أم غائبا. وفي ذلك يتساوى الرجل والمرأة .

14 ـ العلاقة الحرة هل توجد في الثقافة العربية وفي المجتمع المغربي تحديدا ؟

العلاقة الحرة بالمفهوم الغربي الذي جسده الفيلسوفان سارتر وسيمون دي بوفوار كانت موضة رائجة في صفوف الطلبة اليساريين في السبعينيات ، لكن عمر هذه العلاقات كان قصيرا ، إذ سرعان ما كانت تتوج بالزواج  الشرعي ، أو تنتهي بالانفصال لأن المجتمع المغربي الإسلامي يرفض الاعتراف بهذه العلاقة الممنوعة قانونيا والمحرمة شرعيا . فالثقافة العربية الإسلامية كما تعلم ، تعتبر العلاقة خارج نطاق الزواج زنا، والأبناء الذين ينتجون عنها غير شرعيين . لكن مثل هذا النوع من العلاقة موجود في المجتمع العربي بصيغ أخرى ، حاول أصحابها إيجاد تخريجات شرعية  لها فيما يسمى بالزواج العرفي أو زواج المتعة كما في بعض الدول العربية والإسلامية ، أو الزواج غير الموثق الذي انتشر بانتشار المد الظلامي ، والذي يروج له أصحاب الفتاوى الشرعية من الإسلاميين المتطرفين . فهذه العلاقات لا تختلف عن العلاقة الحرة ، مما يعكس النفاق الاجتماعي الذي يتسم به المجتمع العربي الإسلامي عموما، وعدم جرأته في تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية ، والتمسح بالدين لتبرير كل شيء مناف للقيم الأخلاقية والأعراف الدولية ، مثل تبرير زواج القاصرات ، والممارسات الجنسية الشاذة وغير ذلك من فتاوى غريبة ليس لفقهاء جهلة فحسب ، وإنما لعلماء ينتسبون إلى جامعة الأزهر العريقة ، مثل فتوى معاشرة الوداع  التي  تجيز مضاجعة الزوجة المتوفاة ، و نكاح البهائم  ، و إرضاع الكبير  وما إلى ذلك من أمور يرفضها العقل ويمجها الذوق السليم .

15 ـ  قساوة الأب مع عبد العاطي تذكرنا بالقساوة التي تعرض لها محمد شكري ، فما هو الرابط بينهما ؟

الأب في المجتمعات المهمشة التي تعاني من شظف العيش وقسوة الطبيعة غالبا ما يكون قاسيا، ويعامل أبناءه الذكور على وجه الخصوص دون رحمة . يكون ذلك التعامل أحيانا، من باب مفهوم المجتمع التقليدي للتربية. إذ يرى أن التربية الصحيحة تنبني على القسوة التي تؤهل الطفل ليصبح رجلا قويا وقادرا على مواجهة مخاطر الحياة وتحمل صعوباتها. ولذلك ، نادرا ما كان الآباء يدللون أطفالهم ، أو يحتضنونهم ، بل يعاملونهم بتلك القسوة التي يعتقدون أنها الوسيلة الوحيدة القادرة على أن تصنع منهم رجالا أشداء في المستقبل . وأحيانا، تكون هذه القسوة صفة نابعة من التكوين النفسي للأب بسبب ظروف الحياة القاسية التي مر بها سواء بحكم الفقر والتهميش أو بحكم انتمائه إلى مناطق جغرافية قاحلة لا يصمد فيها إلا من كان قويا وشرسا يواجه بشجاعة مآسي الفاقة ، وجفاف الطبيعة وبخلها.

لذلك يلتقي أب عبد العاطي في رواية الناجون مع أب محمد شكري في الخبز الحافي  في كونهما ينتميان معا إلى مناطق مهمشة وفقيرة وذات طبيعة قاسية. فالأول ينتمي إلى الصحراء والثاني إلى الريف. والمناطق الريفية والصحراوية في المغرب تعاني من نفس قساوة الطبيعة التي تؤثر بالضرورة في تكوين شخصية من يولد ويتربى في أحضانها ، ومن نفس التهميش الذي تعاني منه عادة المناطق البعيدة عن المركز.

16 ـ لعل رواية عزوزة  إجابة عن سؤال طرح على المبدعة الزهرة رميج فحواه : الكتابة النسوية ، فما قولك ثانية ؟

رغم كون عنوان رواية  عزوزة  يحيل على أهمية بطلتها، ومن ثم ، على كونها تحتفي بالمرأة، وتدخل في باب ما يسمى بالكتابة النسوية ، إلا أن الأمر ليس كذلك. فهذه الرواية بقدر ما تحتفي بعزوزة كشخصية نسائية ، وتصور آلامها وأحزانها ومعاناتها من هيمنة الفكر الذكوري على المجتمع المغربي وخاصة في البادية وفي النصف الأول من القرن العشرين ، إلا أنها لا تنحاز للمرأة بشكل مطلق ، ولا تكن العداء للرجل باعتباره المسؤول الأول والأخير عن مآسي المرأة كما يحدث في الكتابة النسوية عموما، بل تنظر إليه كضحية لهذا الفكر الذكوري نفسه . وكما تدين الرجل، فهي تدين المرأة أيضا، باعتبارها حاملة الفكر الذكوري وأداة استمراريته ، إذ هي من تورثه للأجيال رجالا ونساء . فالحماة أكثر ذكورية من ابنها أحمد ، وأكثر حرصا على استمرار الفكر الذكوري . فهي التي ترفض إنجاب زوجته للبنات بدل الذكور، وتعيب على ابنها استقباله البنات بفرح ، وهي التي تحرضه على الزواج من امرأة ثانية لإنجاب الولد من جهة ، ولإبراز قيمته في المجتمع وعدم الظهور بمظهر المسيطر عليه من طرف الزوجة الوحيدة . فأحمد في البداية ، كان أكثر تحررا من أمه ، وأكثر استعدادا منها للتخلي عن هذا الفكر ، لكنه سيجد نفسه مضطرا لمسايرة أمه ومحيطه هربا من جحيم الصراع الأبدي بين الحماة والكنة ، ومن نظرة المجتمع الذكوري الدونية للرجل غير الشهواني الذي يكتفي بامرأة واحدة ولا تغريه جاذبية الحريم. فالرواية تخلص إلى أن المرأة والرجل كلاهما ضحية للثقافة التقليدية السائدة ولانعدام الوعي وللفقهاء المتزمتين الذين يرفضون تعليم المرأة ومساواتها مع الرجل . هذا الفكر الذي يعمل على نشره معلمون متخلفون مثل شخصية بوشعيب معلم اللغة العربية الذي استغرب رغبة أحمد في تعليم ابنته ، وحاول أن يقنعه بالتراجع عن ذلك مستشهدا بقول أحد الفقهاء: من يعلم امرأة كمن يسقي أفعى سما .

كما أن رواية عزوزة  لا تهتم بقضية المرأة فحسب، وإنما تتناول قضايا جوهرية وعلى رأسها الثقافة الشعبية والاحتفاء بالتراث الشعبي المغربي مجسدا في الأغاني والأمثال والحكايات ، كما تلمح إلى مرحلة الاستعمار الفرنسي للمغرب من خلال زمن الرواية . فهي بذلك رواية ذات بعد ثقافي وتاريخي ، وليست رواية نسوية بالمفهوم المشار إليه سابقا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *