بعض الناس  يتنطعون وينتقلون من الدفاع عن المرجعية والوسطية إلى التعصب والإقصاء والتطرف ؛كلنا يعلم بأن  هناك  صعوبات كبيرة يتلقاها أئمة المدن  الكبرى من أفكار نقول عنها  قابلة للتعامل  مع  أصحابها وهناك أفكار يصعب  التعامل معها  وأئمة المدن  الكبرى  يتفاعلون بكل  واقعية وموضوعية  وعلمية وعقلانية  لتذليل  هذه  الصعوبات فهم في الصفوف الأولى ومن الصعوبة بمكان  ما يقومون به هؤلاء ولايمكن مقارنة عمل  الأئمة في الولايات الداخلية مع أئمة  المدن الكبرى.

بعض  من  إخواننا الأئمة سامحهم الله عندما يصلون في  مساجد الكبرى وما يجدونه  كأنهم  يتهمون  إخوانهم الأئمة  بالتقصير بالمدن الكبرى لما يظهر لهم  كعدم  قيام  بعض  الأئمة  بالقنوت ،علما  أن أصحاب هذه الأفكار المخالفة للمرجعية الوطنية وبكثرة وهم جزائريون ومن حقهم  علينا تعليمهم وتوجيههم  والصلاة  بهم وإدماجهم ودعوتهم بالتي هي أحسن ؛ وإقصائهم والتحامل عليهم بالجهالة  كما  يفعلون
فهو  طريق غير صحيح.
فالتعامل مع هذا النوع من النّاس كداعية إلى الله ،كما تقول الحكمة: يستحسن للداعية التنازل عن بعض المستحبات إذا كان بقصد تأليف قلوب النّاس ، وكذلك يستحب في مسائل الاجتهاد العمل بالقول المرجوح إذا جرى عمل النّاس عليه ؛ ويستحسن سلوك سبيل التيسير ما وجدنا إلى ذلك سبيلا ،
أقول ما وجدنا إلى ذلك سبيلا شرعيا كدليل شرعي معتبر مثل الاستحسان الفقهي الّذي يقول به المالكية ، أو أي دليل آخر معتبر ، أو قول معتبر يقودنا إلى التيسير على النّاس خصوصا إذا عمّت به البلوى .أي  كلّ ما يكون طريقا شرعيا إلى اجتماع المسلمين ، حتى  لا نزيد الفرقة فرقة بأن
ننكر عليهم قولا فقهيا معتبرا عملوا به في مذهب فقهي إنّما النّقاش والمباحثة والإحتهاد  بالحجة والدليل  هي  الوحدة إلى  تأليف  القلوب وزرع  الثقة  في  نفوس  المواطنين .
ينبغي العمل على تأليف القلوب وجمع الكلمة ما أمكن ، فإن الجماعة رحمة، والفرقة عذاب ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” ولو كان الإمام يرى استحباب شيء والمأمومون  لا يستحبونه ، فتركَه لأجل الاتفاق والائتلاف: كان قد أحسن .
أمثلة  كثيرة  تجعلنا نوجه المؤمنين إلى جمع أفكارهم وكلمتهم على الوسطية والاعتدال وأقصد  بذالك فتح  النقاش  وعدم  الإنكار على المخالف حتى  يعود  هو  إلى
أصول  المذهب والاقتناع  به ومن ثم نستمل فكرة  الهجوم أولى  من  الدفاع كما  يقول الرياضيون ونقول  لهم أن  الخلاف  في المسائل   الفقهية بين  المذاهب معروفة ولا يجوز  ولا يصح  أن  نقوم  بحرب  بالوكالة .
مثال ذلك : الوتر ؛ فإن للعلماء فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه لا يكون إلا بثلاث متصلة . كالمغرب : كقول من قاله من أهل العراق .والثاني : أنه لا يكون إلا ركعة مفصولة عما قبلها ، كقول من قال ذلك من أهل الحجاز . والثالث : أن الأمرين جائزان كما هو ظاهر مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما ، وهو الصحيح ، وإن كان هؤلاء يختارون فصله عما
قبله.
فلو كان الإمام يرى الفصل ، فاختار المأمومون أن يصلي الوتر كالمغرب ، فوافقهم على ذلك تأليفا لقلوبهم ، كان قد أحسن . كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة : ( لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة ولألصقتها بالأرض ، ولجعلت لها بابين ، بابا يدخل الناس منه ، وبابا يخرجون منه ) فترك الأفضل عنده : لئلا ينفر الناس .
وكذلك لو كان رجل يرى الجهر بالبسملة ، فأم بقوم لا يستحبونه ، أو بالعكس ووافقهم : كان قد أحسن” انتهى من “مجموع الفتاوى وقال رحمه الله : “فأما صفة الصلاة : ومن شعائرها مسألة البسملة ؛ فإن الناس اضطربوا فيها نفيا وإثباتا : في كونها آية من القرآن ، وفي قراءتها، وصنفت من الطرفين مصنفات يظهر في بعض كلامها نوع جهل وظلم ، مع أن الخطب فيها يسير .
وأما التعصب لهذه المسائل ونحوها فمن شعائر الفرقة والاختلاف الذي نهينا عنها ; إذ الداعي لذلك هو ترجيح الشعائر المفترقة بين الأمة وإلا فهذه المسائل من أخف مسائل الخلاف جدا ، لولا ما يدعو إليه الشيطان من إظهار
شعار الفرقة … ” ” ويستحب للرجل أن يقصد إلى تأليف القلوب بترك هذه المستحبات ، لأن مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا ، كما ترك النبي صلى الله
عليه وسلم تغيير بناء البيت ، لما في إبقائه من تأليف القلوب ، وكما أنكر ابن مسعود على عثمان إتمام الصلاة في السفر ، ثم صلى خلفه متما ، وقال : الخلاف التيسير على الناس في محال الاجتهاد أمر مشروع ، لا سيما فيما عمت به
البلوى ، فإذا أمكن تصحيح معاملات الناس وعباداتهم بحملها على أقوال معتبرة للفقهاء ، يشهد لها الدليل، فهذا خير يدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم: (فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ) رواه البخاري وقوله: (يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا) رواه البخاري  ومسلم .
وهذا لا ينافي أهمية تربية الناس على الجادة، ودعوتهم لفعل الأولى والأكمل، فحيث وجدت الحاجة إلى الترخيص والتسهيل ، لا سيما بعد وقوع العمل ، عمل به ، وقد اشتهر عن سفيان الثوري رحمه الله قوله: “إنما العلم عندنا الرخصة من ثقة، فأما التشديد فيحسنه كل أحد” رواه ابن عبد البر في
“جامع بيان العلم وفضله”

وشعار الإمام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو من أعظم شعائر الإسلام، وهما من أسباب خيرية هذه الأمة، كما قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) آل عمران/111،
ولهذا الأمر والنهي ضوابط وآداب لابد من مراعاتها .
وقد جمع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعض الضوابط والآداب في كلمة جامعة له قال فيها :
“ينبغي لمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أن يكون فقيهاً فيما يأمر به ، فقيهاً فيما ينهى عنه ، رفيقاً فيما يأمر به ، رفيقاً فيما ينهى عنه ، حليماً فيما يأمر به ، حليماً فيما ينهى عنه ، فالفقه قبل الأمر ليعرف المعروف وينكر المنكر ، والرفق عند الأمر ليسلك أقرب الطرق إلى تحصيل المقصود ، والحلم بعد الأمر ليصبر على أذى المأمور المنهي ؛ فإنه كثيراً
ما يحصل له الأذى بذلك ، ولهذا قال تعالى : ( وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ
وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ) لقمان/17 ”

فالإنكار في مسائل الخلاف الفقهي، فيه تفصيل، فينكر القول الذي خالف نصا من الكتاب أو السنة أو الإجماع، ولا إنكار في مسائل الاجتهاد.

بقلم الأستاذ/قسول جلول
باحث وإمام  مسجد القدس حيدرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *