أدى التطور الرهيب والمتسارع الذي تشهده تكنولوجيا الإعلام والاتصال بصفة عامة إلى بروز عدة إشكالات على العديد من المستويات والجهات ، وأظن أن أهم المشكلات التى نعيشها اليوم فى ظل هذه الغزو التكنولوجي هي مشكلة الهوية بكل أنواعها سواءا الشخصية أو الوطنية أو القومية .
حتى أن العديد من الباحثين والعلماء ركزو على جهتين متلازتين هما العولمة والهوية وهذا لما ينتج عنهما من تغييرات جذرية داخل المنظومة المجتمعية
إن هذا الكلام يختزل تماما الإشكالية التي نود لفت الانتباه إليها في هذا المقام ألا وهي: ما هي مؤشرات ومعالم الهوية الجديدة التي تقدمها لنا تكنولوجيا الإعلام والاتصال وخاصة المواقع التى نتعرض لها اليوم التى تعد ضمن الشبكات الاجتماعية الالكترونية المختلفة؟
ومن خلال ما سبق ذكره وفى البداية يجب أن نعرض على مفهوم الهوية

يمكن للفرد أن ينتمي على مدار حياته إلى عدة هويات اجتماعية، انطلاقا من تغير قناعاته وظروفه، فبإمكانه أن يغير دينه أو جنسيته أو حتى اللغة التي يتكلم بها، أو توجهه السياسي.. لذلك فالفرد لا يكون “هو” دائما في كل الحالات والمواقف. من هنا كان لزاما على كل المشتغلين على تعريف الهوية أن يعترفوا بصعوبة إمساك كل الخيوط التي نُسج منها هذا المفهوم الذي يرى الكثير من الباحثين أنه “مفهوم قلق من ناحية التناول النظري.
ومن بين التعريفات التي جاءت متناغمة مع ما سبق الإشارة إليه – من المرونة التي تصبغ مفهوم الهوية – نجد تعريف “تاجفل” الذي يرى أن الهوية هي التي تعكس ذلك الجزء من مفهوم الشخص عن ذاته، والذي يتأسس في ضوء معرفته المسبقة بانتمائه لعضوية جماعة (أو جماعات) معينة، وهو ما يقتضي تمسكه بالقيم والأعراف السائدة في إطارها
يقودنا هذا التعريف للإشارة إلى أن الهوية مستويات؛ فهناك هوية شخصية، وهوية وطنية، وهوية قومية، وهوية دينية، دون أن يقودنا هذا التقسيم إلى الاعتقاد بانفصال هذه المستويات عن بعضها حتما على مستوى الفرد. ولكن قد يكون ذلك على مستوى الجماعة التي قد تصنف على أساس الهوية الدينية، أو على أساس الهوية القومية، أو على أساس الهوية الوطنية، فالمواطنون مثلا في دولة كلبنان قد يختلفون في الدين ولكن لا ينزع منهم ذلك الحق في الهوية اللبنانية. وحتما، بقدر ما كانت الجماعة تحمل نفس الهوية على المستويات الثلاث السابقة كلما كان ذلك مساعدا على استقرارها وعدم طرحها لما يسمى بـ “أزمة الهوية”.

إنه اتصال جديد.. إنه عالم جديد
إن فكرة أن العالم أصبح “قرية صغيرة” حسب “ماكلوهان” بفعل تكنولوجيا الإعلام والاتصال الحديثة، لم تعد كافية -حسب كثيرين- لتوصيف الواقع الاجتماعي، لان العالم أصبح بمثابة عمارة ضخمة على حد تعبير “ريتشارد بلاك”، بل يذهب آخرون إلى اختزال العالم بأكمله فى صفحة على “الفيسبوك “؛قد يكون هذا الوصف دقيقا لما نعيشه اليوم فجل تبادلاتنا التجارية وتعطينا لمختلف الثقافات يتم عبرهذه المواقع وخير دليل على أهمية ما أقول هو إنقطاع الإنترنيت مؤخرا بسبب إجتياز إمتحان اللبكلوريا وما أسفر عليه من خسائر مادية على مستوي المؤسسات الصغيرة والمتوسطة …
إن سرعة وحجم انتشار الانترنت في العالم -وإن كان متفاوتا من منطقة إلى أخرى بتفاوت الإمكانات وتفاوت الوعي بأهميتها- لم تشهده أية وسيلة اتصالية وإعلامية أخرى على الإطلاق، وذلك بسبب ما تقدمه من خدمات وتطبيقات استثنائية، ومن أهمها الشبكات الاجتماعية الإلكترونية التي أضحت تستقطب الآلاف بل الملايين من البشر باختلاف أعمارهم ومستوياتهم وأجناسهم وجنسياتهم.
مجتمع جديد ….هوية جديدة
إن قيام مجتمعات افتراضية من خلال الشبكات الاجتماعية كشبكة الفايسبوك بهذه الأعداد المذهلة والمتزايدة ودون قيود، يدعونا إلى التساؤل حول الانعكاسات المحتملة على المشتركين فيها، أو بتعبير أصح “على أفراد هذه المجتمعات”. خاصة إذا عرفنا أن كل النشاطات المعروفة في المجتمعات التقليدية، يمكن القيام بها في هذه المجتمعات الافتراضية، بشكل أسرع، وفعالية أكبر. بل إن المسافات المادية أو الجغرافية المعيقة لم يعد لها وجود في هذه المجتمعات، فقد تم استبدالها بما يمكن تسميته بالمسافات الاجتماعية.
ولقد وصل قلق البعض من هذا الواقع الجديد إلى توقع أن يتنهي زمن التنوع الثقافي، ومن ثم إعادة تشكيل هويات جديدة في ظل ثقافة غربية مهيمنة، هويات رقمية تفرز مزيجا جديدا من السمات والتفاعلات والتمظهرات الفردية والجماعية في فضاء سايبيري لا حد له ولا قيد عليه. ثم إن ما تتيحه هذه الشبكات من الدخول بشخصيات افتراضية، تدفع الفرد إلى تقمص ذات أو ذوات مثالية، أو “عالمثالية” كما سماها الباحث “سعد البازعي”، وهي هوية هجينة تجمع بين الثقافة المحلية من لغة ودين وموروث ثقافي وشعبي، وثقافة أجنبية بكل مكوناتها. وهذا ما يهدد في الأخير هوية الفرد الأصلية من خلال انتمائه للمجتمع الأصلي، ما يطرح في مرحلة ثانية تساؤلا عن مدى شرعية انتمائه لهذا المجتمع التقليدي
وفى الأخير ومن خلال ماقدم نستطيع القول اننا لا ندعوا الى إعتزال التكنولوجيا التى أصبحت اليوم ضرورة حتمية بل ندعو الى إكتشاف حلول وبدائل تساعد فى الحفاظ على هويتنا وموروثنا الثقافى والدينى بدرجة أولى والإستفادة مما تقدمه هذه المواقع فى تطوير مجتمعنا …

علاء الدين عشور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *