محمد الصالح حرزالله

 

كنت أنوي منذ مدة طويلة، أن أكتب عن ظاهرة اغتيال التاريخ من طرف المساهمين في صناعة التاريخ أنفسهم، عن قصد أو غير قصد.وهذه الظاهرة الشنيعة التي تفشت في مجتمعنا ،لا أعتقد أننا سنجد لها مثيلا في العالم.وقد صدق الأمير خالد حين قال عن وطنه الجزائر” إنها البلاد التي تخصي عظماءها؛.نعم أن اغتيال التاريخ هو اغتيال للثقافة والإبداع. وهو اغتيال للحقيقة والجمال.ودفن وتهميش للكفاءة.وطمس للذاكرة.
أقول هذا، لأننا فقدنا خلال فترة وجيزة- وتحديدا في سنة الاحتفال بالذكرى الخمسين لاسترجاع السيادة الوطنية – ستة من عظماء هذا الوطن.وصانعي أمجاده وبطولاته وتاريخه. وبفقدهم نكون قد فقدنا مجلدات من تاريح ثورتنا المجيدة. وقبلهم قد فقدنا مجلدات ومجلدات.
ولنذكر،فلعل الذكرى توقظ المساهمين في اغتيال التاريخ. ولعلهم قد نسوا بسرعة: أحمد بن بلة والشاذلي بن جديد وعبد الحميد مهري وعلي مهساس وعلي كافي. وغيرهم من صناع التاريخ.
ترى لماذا تركناهم يرحلون ،؟ وترحل معهم مجلدات من ذاكرتنا وأمجادنا.
تركناهم يرحلون دون أن نستفيد من تجربتهم النضالية والسياسية وشهاداتهم الحية التي تضيء المغيب والمنسي من تاريخ ثورتنا المجيدة.
من المسؤول ياترى عن هذا الإهمال.؟ والى متى نظل نتفرج على مجلدات تاريخنا التي تندثر يوما بعد يوم.
إلى متى نظل نلقي الخطابات الجوفاء في المناسبات والأعياد الوطنية الغالية.ونتشدق بالدفاع عن الهوية والتاريخ والأمجاد والبرامج والانجازات والأموال المرصودة لذلك.؟
أليس من المخجل أن ننفق الأموال الطائلة في المهرجانات التهريجية ولا ننتج أبحاثا جادة أومسلسلات وأفلام طويلة عن ثورتنا المجيدة وأبطالها الأشاوس وصانعي مجدها وتاريخها؟
كم أنجزنا خلال خمسين سنة من الاستقلال، من أبحاث ودراسات وأشرطة وثائقية وشهادات حية وإبداعات في مختلف الفنون. وكم هو عدد وحدات البحث في جامعاتنا ومعاهدنا ومراكز البحث التي تعنى بتاريخنا في مختلف عصوره؟ إنها ضئيلة وضئيلة جدا ومخجلة.ولا ترقى إلى مستوى ثورتنا العظيمة. فمن المسؤول عن هذه الضحالة؟
المسؤولية يتقاسمها الجميع، وخاصة وزارة الثقافة ووزارة التعليم العالي، ممثلة في جامعاتها ومراكز أبحاثها، وليست مسؤولية وزارة المجاهدين وحدها.ولكن الأمور عندنا تجري عكس ما ينبغي أن تسير عليه الأمور.
أعطوا القوس باريها يا أولي الألباب. وأنقذوا ما تبقى لكم من شرف وتاريخ. وصونوا وأنقذوا ما تبقى لكم من صانعيه.إنهم يرحلون.الواحد تلو الآخر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *