رسالة للمريض وأهل المريض  وأخرى  للطبيب

جعل الله تبارك وتعالى جعل مكانة عظيمة للطبيب  ! يأتيه المريض متألماً
متوجعاً، يأتيه باكياً لا يدري ما حل به، فيغيثه ويعينه بما خوَّله الله
تعالى إياه ووهبه إياه من علم وخبرة وتجربة ودواء، فينفس عنه ما هو فيه،
(من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم
القيامة).

ولا شك أن الطب من أفضل الأعمال ، بل إنه من أشرف الأعمال لأنها متعلقة
بالإنسان وتطبيب  الإنسان لحفظ الأبدان، وفي حفظ الأبدان حفظ العقول
والأديان، فإن البدن وسيلة للطاعة، وحفظ البدن يعين على طاعة الله تبارك
وتعالى، وفي حفظ البدن حفظ العقل، كما يقول أهل الأمثال في الطب وغيره:
(العقل السليم في الجسم السليم)

لكن  كثيرًا ممن ابتلاهم الله تعالى بالمرض يسخطون ويشكون ولا يصبرون على
ذلك المرض؛ بل إن بعض المرضى الذين ابتلوا بأمراض مستعصية كالسرطان؛ بلغ
بهم اليأس مبلغًا عظيمًا فتجد الواحد منهم قد ضعف صبره وكثر جزعه وعظم
سخطه وانفرد به الشيطان يوسوس له ويذكره بالمعاصي الماضية حتى يقنطه من
روح الله

وما يقال عن المريض يقال عن أهله  فهم يصبون غضبهم على الطبيب وأعوان
الصحة وهم في حيرة يصبح جسم المريض لديهم حقل تجربة ينقلونه بين الأطباء
والمستشفيات لايقبلون النصيحة ولا يقبلون الإرشاد والتوجيه نقول لهؤلاء

أن الله تعالى خلق هذا الإنسان وأوجده في هذه الحياة ليبتليه قال تعالى:
(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ
أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) سورة الملك:2 والابتلاء
تارة يكون بالخير وتارة يكون بالشر. ومن ذلك الابتلاء بالمرض
إن كثيرًا ممن ابتلاهم الله تعالى بالمرض لجهلهم بفوائد المرض يقنطون
يصيبهم الهلع والرعب مع أن المريض لا خوف عليه مادام موحدًا قال -صلى
الله عليه وسلم-: «من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة»،

فعلى المؤمن أن يصبر على البلاء وعلى المرض مهما اشتد فإن مع العسر
يسرًا، وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، يقول أنس: إن النبي -صلى الله
عليه وسلم- دخل على شاب وهو في الموت، فقال: كيف تجدك؟ قال: أرجو رحمة
الله يا رسول الله، وأخاف ذنوبي، فقال: «لا يجتمعان في قلب عبد في مثل
هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمَّنه مما يخاف» أخرجه الترمذي

. وعلى المؤمن أن يصبر ويرضى بقضاء الله، فإن عاش لم يحرم الأجر، وإن مات
فإلى رحمة الله إن شاء الله تعالى، فإذا تقرر هذا كله فلنرى ما هي فوائد
المرض العظيمة وما يترتب عليه من مصالح ومنافع قلبية وبدنية. من فوائد
المرض ما يأتي-

أنه تهذيب للنفس، وتصفية لها من الشر الذي فيها: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن
مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن
كَثِيرٍ)الشورى:30، فإذا أصيب العبد فلا يقل: من أين هذا، ولا من أين
أتيت؟ فما أصيب إلا بذنب، وفي هذا تبشير وتحذير إذا علمنا أن مصائب
الدنيا عقوبات لذنوبنا، أخرج البخاري عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله
عليه وسلم-قال: «ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم
يهمه إلا كفر به من سيئاته» أخرجه مسلم

وقال -صلى الله عليه وسلم-: «ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه
وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة» (أخرجه الترمذي:،

فإذا كان للعبد ذنوب ولم يكن له ما يكفرها ابتلاه الله بالحزن أو المرض

ومن فوائد المرض: قرب الله من المريض، وهذا قرب خاص، يقول الله: «ابن
آدم، عبدي فلان مرض فلم تعده، أما لو عدته لوجدتني عنده» رواه مسلم

ويعرف به صبر العبد، فكما قيل: لولا الامتحان لما ظهر فضل الصبر، فيمتحن
الله صبر العبد وإيمانه به، فإما أن يخرج ذهبًا أو خبثًا،

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله
خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابه سراء فشكر الله فله أجر، وإن
أصابته ضراء فصبر فله أجر، فكل قضاء الله للمسلم خير» أخرجه مسلم

وملاحظ على أهل المرض أو المصائب، وخصوصًا إذا يئس المريض من الشفاء من
جهة المخلوقين وحصل له اليأس منهم وتعلق قلبه بالله وحده، وقد ذكر أن
رجلاً أخبره الأطباء بأن علاجه أصبح مستحيلاً، وأنه لا يوجد له علاج
ولكن شفاه الله تبارك وتعالى

وعن النبي -صلى الله عليه وسلم(ما من أحد من الناس يصاب ببلاء في جسده
إلا أمر الله عز وجل الملائكة الذين يحفظونه، فقال: اكتبوا لعبدي كل يوم
وليلة ما كان يعمل من خير ما كان في وثاقي»

والمرض يعرف العبد مقدار نعمة معافاته وصحته، فإنه إذا تربى في العافية
لا يعلم ما يقاسيه المبتلى فلا يعرف مقدار النعمة، فلولا المرض لما عرف
قدر الصحة، ولولا الليل لما عرف قدر النهار، ولولا هذه الأضداد لما عرفت
كثير من النعم، ومن ذاق ألم الأمراض عرف بعد ذلك قيمة الصحة،

ولذلك جعل الإسلام دراسة الطب وممارسته والاشتغال به طاعة لله تبارك وتعالى.
وهذا أول شيء ينبغي على الطبيب والمريض أن يعلمه، فإن الطب ليس وظيفة من
الوظائف ، يأخذ عليها أجرا ويجمع بها المال. وإنما الطب رسالة وهو عبادة
لله تبارك وتعالى تتضمن عبادات عديدة، فمن جملة ما تتضمن هذه العبادة نشر
العلم وبثه. وفيها إغاثة الملهوف، يأتيك المريض محتاجاً لمن يعينه على
التخلص مما حل به من مرض، أو التخفيف مما به من ألم، فتعينه وتغيثه، وقد
قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام مسلم :
(من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم
القيامة)

وتعرفون ما وصل إليه حال الطب والتطبيب في بلادنا ومن أجل ذلك أردت أن
أتحدث عن آداب الطبيب وواجبات الطبيب، وما ينبغي على الطبيب أن يقوم به
. ولا يعني هذا تعميم الحكم على جميع الأطباء، نستثني من التعميم أهل
الأمانة والوفاء، غرضنا من إثارة هذا الموضوع الإصلاح والتصحيح، قد يكون
النقد وسيلة للإصلاح والتصحيح، ومن ثم معرفة أداب التمريض وأدب الطبيب في
ممارسته ومزاولته رسالته
أول هذه الآداب: الإيمان بالله تبارك وتعالى والتوكل عليه
الإيمان بالله تبارك وتعالى لأن الداء إنما نزل بخلق الله تبارك وتعالى،
والدواء إنما يعرف بإلهام من الله تبارك وتعالى وتأييد منه، يرافقه البحث
والاطلاع، والتوكل على الله تبارك وتعالى عند معالجة

كما أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (ما أنزل الله
من داء إلا وأنزل له دواء، علمه من علمه وجهله من جهله)

اللهم أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك .

بقلم الأستاذ/قسول جلول

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *