بقلم :محي الدين عميمور
من محتويات كتاب “المغرب العربي” الذي مُنِعَ في المغرب، ولهم الحق لأنه يتناقض مع طرحهم للقضية.
رسالة مفتوحة إلى صاحب الجلالة.
صاحب الجلالة :
مواطن من هذا البلد لم يألف طقوس الحديث مع الملوك والأمراء، يريد أن يتحدث معك، فهل تأذن له يا صاحب الجلالة ؟
مواطن كل مبرراته في التوجه إليك، ما دفعه بالأمس من دماء لتحرير بلده، الذي ما أن تحرر حتى تحررت بلاد وبلاد، وهو اليوم يبذل عرقه وجهده ليساهم في بناء وطنه، بشرف وكرامة، ليكون هذا الوطن لبنة في صرح تغنينا بأهازيجه أطفالا، ونادينا بضرورته شبابا، وآمنا بحتمية كهولا.
مواطن لم يتعود، ولم يُعوّد على أن يسير في الطريق، يتخبط بالتشنجات الهستيرية، وينضح إنائه بما فيه، هو من معه، فيتحول الشارع إلى مصنع للحقد الأعمى، ومجرى للإفرازات البشرية.
مواطن لم يَخدع ولم يُخدع ولم ينخدع….مواطن يسألك بكل أدب واحترام.
لم كل هذا يا صاحب الجلالة ؟.
ما الذي تفعله بهذه المنطقة، تحولها إلى أتون من القلق والتوتر، وتعيد تاريخا نريد أن ننساه، لأنه كاد يوما يكون حجر عثرة في طريق لقاء شعبين، بل حاجزا من الحقد يفصلهما إلى الأبد.
لقد صبر شعبنا طويلا يا صاحب الجلالة، وأنت أول من يعرف ذلك، وتحملت الجزائر كل المناورات والدسائس، ولم تستجب لأي محاولة يقوم بها البعض لكي تقف بين شعب شقيق، وبين قيادته التي ارتضاها، وكان هذا دليل وفائها للشعب المغربي الكريم الذي وقف بجانبها في محنتها، وأدرك بوعيه التلقائي بأن نجاح الثورة الجزائرية، هو انتصار له وحماية من أطماع الآخرين.
وحقيقي يا صاحب الجلالة أن الجزائر في اندفاعها للبناء الوطني نسيت، بدون قصد وبحسن نية، أن هناك بلادا أخرى لا تستطيع، لأسباب أنت أول من يدركها، لا تستطيع أن تسير بنفس سرعتنا، ولم تكن تتوقع أن يكون تحطيم كل أمل لنشوء بورجوازية متعفنة مستغلة على أرضها هو أمر قد يسيء في حد ذاته للآخرين.
وربما تناست الجزائر بأن الاشتراكية الحقيقية لا تثير حساسية أعدائها فحسب، وإنما تبعث القلق في نفوس الذين يصرخون ويطبلون باسم الاشتراكية، ليستر ذلك الضجيج وقعَ خطوات المتسللين لاختلاس أرزاق الناس، وبناء الثروة الشخصية، والنفوذ المستغل، والذين يرتدون مسوح اليسار ليخفوا بها كروشا سمنت بالمال الحرام، وأسلحة بيضاء تغمد في ظهر الصديق لا في صدر العدو.
ولعلنا، يا صاحب الجلالة، في زحمة عملية البناء الضخمة التي نقوم بها لمصلحة جماهيرنا، لم ندرك أن وضع السلطة الحقيقية في أيدي الجماهير يمكن أن يعتبر من البعض عملا استفزازيا لا يغفر حسن النية ونبل المقصد.
ولعلنا أيضا يا صاحب الجلالة ونحن ننادي بوحدة شعوب المغرب العربي طريقا نحو الوحدة الكبرى، وحدة تستمد قوتها من إيمان الشعوب بحتميتها، وتكون كل الموارد فيها من حق جماهيرنا الكادحة، لعلنا آنذاك لم نعط الأهمية الكافية لكل القوى الرأسمالية والبورجوازية والنفعية التي لن تجد في وحدة كهذه سبيلا إلى البقاء وإلى الاستغلال.
وصحيح يا صاحب الجلالة أن الجزائر، التي كان هناك من ينكر عليها مجرد حقها في الوجود، أصبحت خلال عقد من الزمان حقيقة دولية تثبت وجودها بالقول والفكر والعمل، وتقف في طليعة الملتزمين بقضية العالم الثالث، العاملين من أجل تدعيمه كقوة سياسية واقتصادية وثقافية، وتقوم بدورها الفعال في خلق علاقات متوازنة بين شمال العالم وجنوبه.
هذا كله صحيح يا صاحب الجلالة ولكن ماذا نفعل ونحن أبناء شرعيون لتاريخنا، لا نملك أن نتنكر له، أو ننحرف عنه، أو نفر منه، رغم نعيق الغربان، وفحيح الأفاعي ؟.
ما الذي حدث إذن يا صاحب الجلالة لكي تفتح أبواب المغرب العربي للغوغائيات، وكل مظاهر الإسفاف والابتذال، ويصل الأمر إلى حد التحريض السافر على أمن الجار والشقيق ؟.
لقد سوينا مشاكلنا معا يا صاحب الجلالة، وكانت الاتفاقية، التي وقعتها مع أخيك الرئيس هواري بومدين في الرباط، الاتفاقية الأولى في التاريخ التي شهد توقيعها أكثر من 40 رئيس دولة وحكومة، وهي الاتفاقية التي صادقت عليها الجزائر ولم يصادق عليها المغرب الشقيق، لأسباب هُمِسَ بها ولم تعلن قطّ من طرفكم، ولكن الجزائر، رغم عدم اقتناعها بما سُرّب إليها من مبررات، لم تنتهز الفرصة لتندد بما في ذلك التصرف من احتقار لقارة بأكملها، بجانب ما يثيره من شكوك في النوايا الحقيقية للذين يتحدثون باسم الجار والشقيق.
والتقيت يا صاحب الجلالة مع أخويك الرئيسين بومدين وولد داده في نواديبو، ثم في أغادير، واتفقتم جميعا على إتباع سياسة التشاور والتعاون، ليمكن رسم طريق تسلكه شعوبنا نحو وحدتها وتكاملها، ولنتمكن جميعا من القيام بواجبنا نحو بلادنا ونحو أمتنا التي مازالت تعاني من جرحها الدامي في فلسطين، ولكي لا نشغل أنفسنا بقضايا جانبية تؤثر على جهود يجب أن نبذلها إيمانا بعروبتنا وإسلامنا وبدورنا الحضاري.
وكنا نأمل ونحن ننزع الأشواك من طريقنا معا، أن نجعل منه طريقا ينبثق من الملاحم التي سجلتها شعوبنا عبر تاريخها العريق، تضيئه المحبة والآخاء، ويحمي مسيرته احترام الجار وقبول اختياراته الوطنية، وتختفي من سمائه غيوم القلق والتوتر، ولا يتعرض السائر فيه لوحوش الشك والريبة والغدر والخديعة.
ولقد اتفقتم يا صاحب الجلالة على اللقاء وعلى الحوار وعلى تبادل وجهات النظر في كل القضايا المشتركة، فأين نحن من هذا كله .. يا صاحب الجلالة.
لقد فجّرتَ قضية الصحراء، يا صاحب الجلالة، رغم أنك تعرف جيدا، وأنت القانوني الضليع، إنه لا حق للملكة المغربية مطلقا في فرض سيادتها على تلك الأرض.
ولن أذكرك بالنص الصحيح للاتفاقيات التي وقعها سلطان المغرب مع ملك إسبانيا، والتي يعترف فيها السلطان بأن حدود سيادته الوطنية لا تتجاوز جنوبا “واد نون” الموجود حاليا في الأرض المغربية شمالَ شمالَ الصحراء الغربية (وتكرار الكلمة مقصود) وهي على التحديد :
– ( اتفاقية 28 ماي 1776 التي وقعها سلطان المغرب سيدي محمد بن عبد الله بن إسماعيل مع الأمير دون كارلوس الثالث ملك إسبانيا والهنود المادة 18 ).
– ( اتفاقية باريس التي جددت وأكدت باتفاقية مكناس في 1 مارس 1797 – مادة 22).
( اتفاقية 20 نوفمبر 1861 المادة 38 الفقرة 3 ). هذا كله بجانب اتفاقية 9 سبتمبر 1856 المادة 12 بين المغرب والمملكة المتحدة ).
وربما كان خطؤنا الحقيقي أننا لم نعلن هذا الرأي قبل اليوم، ربما لأننا كنا نقدر مشاكلك الداخلية التي تفرض عليك خلق قضية تضمن الوحدة الوطنية حول العرش، وهذا من حقك يا صاحب الجلالة إذا لم يصطدم برغبات شعب شقيق يرتبط معنا ومعكم ومع آخرين في منطقتنا بأكثر من روابط الجوار.
لكننا لم نكن نتصور، يا صاحب الجلالة، وأنت الذي يعرف قواعد القانون الدولي مثلما أعرف أنا حروف الهجاء، أن تتناسى أن حق تقرير المصير هو مكسب من مكاسب العالم الثالث، حصل عليه بثمن رهيب من الدماء والضحايا والدماء، وإذا بك تعلن الحرب المقدسة ضد شعب ضعيف كل ذنبه أنه قارن بين الاستعمار الإسباني وبين سيطرتك عليه فرفض الاثنين، وأيدته المجموعة الدولية ومنظمة الوحدة الإفريقية.
ولن أسمح لنفسي بالقول، يا صاحب الجلالة، بأن حكاية إشعال الحروب لإلهاء الشعب عن وضعيته الداخلية هي حكاية قديمة قدم التاريخ، لأن هذا القول هو من حق الشعب المغربي وحده، بل على العكس، أقدر ذكاءك في محاولة التخلص من الصداع المزمن الذي تسببه لك قيادات أحزاب لعلها فقدت قواعدها الجماهيرية، أو قيادات تفتقر أساسا إلى القاعدة الجماهيرية، فاندفعت وراءك وهي تمني النفس باتصال مباشر مع الفئات الشعبية، يضمن لها الحصول على قواعد تستغلها فيما بعد كورقة في صراعها على السلطة والنفوذ والثروة.
معذرة مرة أخرى يا صاحب الجلالة، ففي بلادي لا نعرف كيف يخاطب الملوك، ولم أقـبّـل يوما يد مخلوق باستثناء يد والدي عليه رحمة اله.
لكن للتاريخ يا صاحب الجلالة أقول، بأنه لم يكن في هذا البلد مواطن يصدق بأنك ستقوم بحرب حقيقية ضد إسبانيا لانتزاع ما لا تملك ولسبب بسيط، لأننا اتبعنا في الحكم على الأمور مقاييس المنطق السليم.
نقول أي منطق يا صاحب الجلالة ؟، وأقول منطق الواقع.
إنك لا تثق في جيشك يا صاحب الجلالة، وهذا أمر تعرفه أنت قبل غيرك، فالجيش المحارب يصبح قوة مؤثرة على الأحداث، وهو في هذه الحالة قد يغير طريق زحفه فيتجه إلى الشمال بدلا من الاتجاه إلى الجنوب، ليقضي على بورجوازية متعفنة، امتصت دماء الشعب، وأحكمت سيطرتها عليه، وجعلت من البلاد سوقا نخاسة لمصلحة رأس المال الأجنبي.
ومن هنا التفت حولك قيادات الأحزاب فيما وصلت إليه، لأنها هي أيضا تعرف بأن تولى الجيش مقاليد الأمور سيدفعه، وهو نتاج شعبه، إلى حمل المكنسة وممارسة عملية تطهير جذرية سيكونون أول ضحاياها، ولهذا صفق لك الجميع عندما فررت من المأزق وقررت رفع قضية الصحراء إلى محكمة العدل الدولية، وكنا نحن من بين الذين صفقوا لك لأننا كنا نزهاء معك ومع أنفسنا، فلم نقل كلمة واحدة، اللهم إلا ذلك التأييد الذي تحدثت أنت عنه بنفسك يوم قلت بأن الرئيس بومدين قد وعدك بأن يكون الجيش الجزائري إلى جانبك إذا دخلت في حرب مع إسبانيا ( إسبانيا المستعمرة التي قلت بلسانك في خطابك الأخير أنك لن تحارب جنودها بل أنك ستحييهم، في نفس الوقت الذي تُوجّه فيها طعناتك إلى الشقيق الذي وقف إلى جانبك بشرف وبأمانة ).
وشعرنا جميعا وقتها بأن الحكمة انتصرت في النهاية لأن القانون الدولي الذي احتكمت إليه سيصدر حكما لن يملك أي طرف حق مجادلته، وبهذا تنقشع عن سماء مغربنا سحابات التوتر والقلق.
في نفس الوقت طلعت علينا الأخبار بقصة اتفاقية “فاس” التي اتفقت فيها مع فخامة الرئيس ولد داده على اقتسام الصحراء.
ولم نقل شيئا، لكننا تذكرنا فقط قصة سيدنا سليمان والمرأتين اللتين أدعت كل منهما أن الطفل هو ابنها، وشعرنا بالدهشة عندما عشنا صورة القرن العشرين من قصة سيدنا سليمان : كل امرأة تريد أن يقطع جسم الطفل إلى جزئين لتأخذ كل منهما جزءا ترضى به رغبتها في التملك، وتثبت في نفس الوقت أن الطفل ليس ابنها الحقيقي، لأن ما قامت به يتعارض مع الأمومة.
شعرنا بالدهشة لأننا لم نفهم كيف نقول بأن الصحراء تابعة لك ثم تتنازل عن جزء منها لدولة أخرى ( وأرجوك يا صاحب الجلالة، أرجوك لا تسم هذا علاقات أخوية، فأنت نفسك تقول بأنه لا أخوة عندما يتعلق الأمر بالتراب الوطني ) وقلنا : محكمة لاهاي ( وقد عين فيها قاض يمثلك لتضمن عدم صدور قرار يتعارض مع حقوقك ) ستصدر الحكم الذي يضع الحق في نصابه.
وصدر رأي المحكمة رغم كل مناوراتك وضغوطك ومبعوثيك لينص بوضوح على عدم ثبوت سيادتك الإقليمية على الصحراء.
لكنك يا صاحب الجلالة أدرت ظهرك لحكم لاهاي، وكان عليك وأنت القانوني الضليع أن تعترف بأنك كنت مخطئا وتقبل حكم المجتمع الدولي، لكنك يا صاحب الجلالة، ومعذرة لهذا التعبير، سفسطت الحكم كما أردت، وتبجّحت بانتصار لم يتم، ثم لجأت إلى قانون الغاب، وطلعت علينا بحكاية المسيرة ( أو فلنقل بصراحة الغزو الصريح المباشر ).
فلنراجع قرار محكمة لاهاي معا.
قالت محكمة العدل الدولية بصريح العبارة بأن الأرض الصحراوية لم تكن أرضا مواتا، أو أرضا سائبة (والتعبير من إحدى الصحف المغربية ) أي أنها لم تكن، عند احتلالها من طرف اسبانيا، في القرن الماضي، أرضا ” يسرح فيها الذيب “، بل كان فيها سكان لهم نظامهم العشائري أو القبلي، ويتحركون عبر الجزء الغربي من المغرب العربي سعيا وراء الماء أو الكلأ.
ونحن لم نقل عكس هكذا يا صاحب الجلالة…
ثم ماذا ؟
قالت المحكمة أيضا بصريح العبارة بأنه لم يثبت لها – طبقا للوثائق المتوفرة لديها – وجود أية علاقة سيادة بين المملكة المغربية والصحراء الغربية.
هل هناك ما هو أوضح من هذا ولا أصرح.
وضربت بهذا كله عرض الحائط، متناسيا وأنت القانوني الضليع، بأن الحكم القضائي كل لا يتجزأ، فأخذت فقرة من القرار فسرتها كما تريد، لتجعل منها المقود القانوني لمسيرة الغزو التي نظمتها.
وأنا على استعداد لدراسة تلك الفقرة معك، إذا سمحت يا صاحب الجلالة .
تقول الفقرة وبالنص الحرفي ” كانت هناك روابط ولاء قانونية ( قانونية بمنطق القرن الماضي طبعا ) بين سلطان المغرب، والبعض من القبائل التي كانت تعيش على الأرض الصحراوية “.
وبكل تواضع ألفت نظرك يا صاحب الجلالة إلى النقاط التالية :
– الروابط كانت روابط شخصية لا دولية، فهي بين شخص ومجموعة أشخاص، وهذا، قانونا، لا علاقة له بالتراب لأن الشخص يتحرك وينتقل ويموت.
– القرار لم يقل عن تلك العلاقات بأنها كانت بين الملك وبين سكان الصحراء، بل قال إنها كانت بينه وبين ” البعض من القبائل ” ( لم يقل كل القبائل، بل قال ” البعض من القبائل ” ) التي كانت تعيش على الأرض الصحراوية ( كانت تعيش على الأرض، ولم يقل القرار حتى ” بعض القبائل الصحراوية ” لأن الواقع يقول بأن تلك القبائل كانت من البدو الرحل، الذين كانوا يتنقلون عبر تلك المساحات الشاسعة التي يمثلها غرب المغرب العربي.
بل إن القرار لم يقل إن الروابط كانت مع بعض قبائل الصحراء التي قد يفهم منها أنه لم يكن في الصحراء إلا ” بعض قبائل ” هي التي بايعتك ( كما تقول ) بل إن القرار ينص على أن تلك الروابط كانت مع ” البعض من القبائل ” أي أنه كانت هناك قبائل أخرى تعيش على أرض الصحراء، لا تعترف بك ولا تقبل بيعتك.
– القرار يتحدث عن ” روابط ولاء قانونية ” أسميتها أنت ” بيعة “، أعلنت بها البعض من القبائل ولائها لسلطان المغرب آنذاك، ولن أجادلك يا صاحب الجلالة في هذه النقطة، إذا اتفقت معي في أن البيعة كانت بيعة شخصية لا بيعة عينية، حتى لا ندخل في متاهات الفرق بين الولاء وبين البيعة.
لكن نقطة جوهرية فاتتك يا صاحب الجلالة وأنت تتخذ من تلك البيعة دليلك الرئيسي على سيادة إقليمية لم توجد قط إلا في أحلامك، هذه النقطة هي أن البيعة كانت لملك مات منذ زمن، والبيعة ليست وراثية، بل لابد من تجديدها كلما جاء ملك أو سلطان جديد.
أي أنه لابد لكي تكون تلك البيعة بيعة شرعية معترف بها أن يُعلن الناس من جديد وعلى رؤوس الإشهاد مبايعتهم لجلالتك سلطانا عليهم.
هل قلنا نحن غير ذلك يا صاحب الجلالة ؟
هل منعناهم من مبايعتك يا صاحب الجلالة ؟
كل ما قلناه هو ” فليبايع هؤلاء الناس من يريدون “، أي فليقرروا مصيرهم بأنفسهم، بدون ضغط أو إرهاب أو غزو أو احتلال.
قلنا هذا وقاله معنا كل المجتمع الدولي، ولكن حتى هذا رفضته يا صاحب الجلالة، رفضت أن تطبق القاعدة التي ناديت أنت بنفسك بتطبيقها، رغم أننا قلنا، أيضا على رؤوس الإشهاد، أننا لا نطالب بشيء، وليست لنا أي مطامع ترابية.
ولكنك قمت بما لا يمكن إلا أن يعتبر إعلانا للحرب علينا، لسبب لم ندركه بعد.
أليس من حقنا والحال هذه أن نقول بأن قضية الصحراء لم تكن سوى ” سبة وملاقيتها حدور “، وبأنها واجهة تخفي هدفا آخر أشد خطورة من مجرد محاولة التوسع الإقليمي نحو جزء من الصحراء الغربية، بل هي على وجه التحديد تطبيق سياسة المجال الحيوي ” الهتلرية “.
ومن حقنا أيضا يا صاحب الجلالة أن نتساءل عن صاحب المصلحة الحقيقية في خلق جو التوتر بالمنطقة، ومن المستفيد الحقيقي من إثارة الزوابع على أرض المغرب العربي.
ومن حقنا يا صاحب الجلالة أن نقلق ونحن نحس بمارد الشوفينية يخرج من قمقمه ليضع الصخور في طريق وحدة المغرب العربي، وليزرع الحقد بين الشعوب التي لا تأمل إلا في الاستقرار والأمن والرفاهية.
ومن حقنا يا صاحب الجلالة أن نحس بأن كل هذا هو الثمن الذي ندفعه، لأننا أردنا أن يسود العالم قانون اقتصادي جديد يحمينا من استغلال المستغلين، ويربط شمال العالم وجنوبه بعلاقات متوازنة، أساسها احترام حق الشعوب في السيطرة على مواردها الوطنية.
ومن حقنا يا صاحب الجلالة أن نسمي ” مسيرتك الخضراء ” عملية غزو مكشوفة تستغل فيها العواطف النبيلة لشعب شقيق من أجل أهداف ليست كلها نبيلة، ولا يسندها أي حق شرعي ولا دولي بل تتناقض مع الشرعية ومع القانون الدولي، وتستهدف في حقيقتها استبدال جنود الاحتلال الإسباني بجنود احتلال مغاربة يحمون المصالح الرأسمالية الأجنبية.
ومن حقنا يا صاحب الجلالة ونحن نرى هذه النزعة التوسعية أن نتذكر بأن الشهية تأتي مع الأكل، وبأن التوسع سيتلوه توسع آخر، لن يكون هو التوسع الأخير.
ومن حقنا والحالة هذا أن نتصرف بما يمليه علينا الواجب الوطني، دفاعا عن ثورتنا وعن بلدنا وعن آمال شعبنا.
ونتذكر قوله تعالى “وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله “.
ويا صاحب الجلالة. إنك تتحمل أمام الله والتاريخ مسؤولية كل قطرة دم تراق.
اللهم فاشهد…
الجزائر – أكتوبر 1977 – مجلة المجاهد