بقلم:علي ملاحي
شاعرة وجدانية الى أقصى الحدود ، قدّر لها أن تكون صاحبة ملكة جمالية من خلال مفردات اللغة المفعمة بالرؤيا الاستشرافية والشعور الحاني والذاتية المفتوحة على العالم .
حبيبة محمدي ، الاسم الشعري الذي تبوأ فضاء الابداع ، من خلال نافذة الفن الكبرى : مصر وما أدراك ما مصر بالنسبة لأي فنا ن أو شاعر ..حمَلتْ حروفها ومفرداتها وجملها ، واتخذت مكانا قصيا ، وسط جموع المبدعين في مصر ، معتدّة بروحها الشعرية الجزائرية الشماء ، مستفيدة من كبرياء الفنانين الأشاوس في مصر ، وقد عشقت مصر بإرادتها ، وما ظلمت لأن من يشرب من النيل لابد ان ينضح وجدانه به .
عرفتُها صاحبة موقف أصيل ، ورؤية ابداعية ناضجة ، من خلال انفتاحها على كثير من الاسماء العلمية والفنية والادبية في القاهرة ..التقيتها في القاهرة منذ ما يقارب العشرين سنة ، ويومها أهدتني ديوانها : ( كسور الوجه ) .. فاكتشفت فيها شاعرة كبيرة بكل المعاني النقدية ، واكتشفت ان دار سعاد الصباح هي التي قدّمتها مشكورة – وقتها – للجمهور ، من خلال ديوانها : المملكة والمنفى سنة 1993 ..
تمنيت يومها بكل اباء لو أن حبيبة محمدي بكل شعرها الأيقوني أن تكون ملكة في بلدها الذي يبتهج لسانها به كلما اشرأبّت جذوتها الشعرية . لكنني وأنا أقرأ الديوان أدركت لماذا هرّبت شعرها ، مثلها مثلما هرّبت صديقتها أحلام مستغانمي ابداعها الى لبنان ..وأنا أشعر – ولغاية هذه اللحظة – بحاجة الى اعلان استنفار بين المبدعين في الجزائر ، يعطي لأسمائنا الجذلى موسمهم .. وما الشاعرة حبيبة محمدي الا هذا الاسم الذي عاد الى بلده ، واستسلم للعبة الغميضة ، وقد دسّت مشاعرها الكبرى في ثلاجة ، واكتفت – حاليا – بأن تدرّس بقسم الفلسفة في بوزريعة ، وكان يمكنها البقاء بالقاهرة ..عزيزة على طريقة وردة الجزائرية التي كانت صديقة مقرّبة لها ..
كسور الوجه ، هو هذا العنوان الممتلئ بلحظات الكلمة العذبة ، على لسان شاعرة أبت الا أن تبقى شاعرة ، وكان بوسعها ان تتاجر في كل شيء ، وأن تدخل في مغامرات جمالية متعددة ، ولها كل الامكانات في ذلك ..كان يمكنها ان تدخل عالم الرواية والسينما وحتى التجارة ، وكيف لا يكون لها ذلك وهي التي تعايشت بقوة مع أكبر الفنانين والمبدعين والباحثين في مصر العربية ، بلد الاشعاع الثقافي والايقونات العلمية والفنية ، وما استسلامها لإرادة الشعر والبقاء في برزخه الا هذا الدليل على وفائها لمبادئها الابداعية ..
عاشت الامل والألم على حد سواء ، أحبت الجزائر ، ولا يجوز للجزائر أن تنكر حقها المعلوم ماديا ومعنويا ، لأنها صنعت بإبداعها الشعري ما يرفع هامة الاسماء الادبية بكل قداسة الكلمة ..وقد أشْعَرَها زحام المبدعين وطوابير الاسماء والركام من المنشورات الذي أثقل كاهل المكتبة الوطنية بكل الصيغ ، أن تتعامل بقلة اكتراث مع كل ما نعيشه في ثقافتنا من اهتزازات ، تحتاج الى معالجة عاجلة .
وجدان الشاعرة حبيبة محمدي عبارة عن أفق جمالي مفتوح ، ترتعش الكلمات على لسانها ، وتكبر لتتحول الى عشب أخضر وفساتين ساحرة بيضاء ، تماما تما ما مثل علم بلادها ..علم الشهداء ..الجزائر بكل وثبتها نحو الحرية .
سحَرتْها مصر لسنوات ، ووشوشت روحها الحانية ، سحرتها المنابر الثقافية ودور النشر في القاهرة ، سلبها الجو الرومانسي في المنابر الثقافية في مصر ، وهو شيء ممتع ، لأن مصر بالنسبة لكل فنان ولكل شاعر بهجة لا تردّ ولا تقبل التردد .
حبيبة محمدي تعشق الشعر ..ولمن لا يحبون الشعر تبُيح لهم ان يدخلوا حديقتها ، لأنها تصنع للكل بكلماتها أبراجا من معاني انسانية واقعية ومتخيّلة ، وتشعل شموع الفرح ، وقناديل النشوة ، وكم هي قوية وبارعة عندما تفتح مدنا فاضلة من نسيج الكلمات ..
مع هذا الزمن ، تتعايش شاعرة كبيرة مثل حبيبة محمدي ، وهي تتأمل فنجانها المقلوب ، في بلد كالذهب ، قامته بقامة التاريخ ، وروحه هذه العبقرية التي تحمل احساسا حضاريا ، بالانتماء ، لا يفارقها ، وقد كان لومضات حبيبة محمدي الكثير من النبر العاطفي الذي يؤرخ برقة لا متناهية لبلد يحق له ان يكون في قمة التاريخ تسابيح خالدة .
كلمة قلتها ..فيما قلّ ودل ..ولكم ان ترفعوا أصابع الحب والثقة والشدة في الله قبل كل شيء .