بقلم: عز الدين جلاوجي
(كي تشبع الكرش تقول للراس غن لي) هذا من أمثالنا الشعبية الساخرة ممن ينصرف للهو وينفق عليه ماله وهو في حاجة ماسة لضرورات الحياة. ولا نتصور البتة جوعان تطاوعه نفسه على رقص أو غناء.
سقت هذا الكلام لتبرير معارضة شريحة واسعة من الشعب لحفلات الغناء وثورة أصوات ترى أن ذلك تصرفا داعشيا لا هدف منه إلا محاربة الثقافة والفن. يقينا إنما الأمم فنون. ومدننا للاسف منذ عقود لا تعرف نشاطات ثقافية متنوعة لا محاضرات لا معارض لا مسرح لا فن تشكيلي لا ندوات لا سينما لا ملتقيات وقلما يحدث ذلك في المدن الكبيرة. ويمكن للأخوة هنا أن يذكروا مدنهم ويذكروا عدد ما حدث فيها خلال عشرين سنة السابقة او ثلاثين. لنعرف نسبة النشاطات الثقافية. ولا شك أنه لا احد تحرك ليطالب بذلك ويستنكر الإهمال الكبير الذي يتعرض له الفن والثقافة في مختلف تفرعاتها. وكأن الثقافة غناء. ثم عن أي فن وعن أي غناء يتحدثون وأغلبنا لا يطيق سماعه بينه وبين نفسه حتى. كلمات في الحضيض وموسيقى نشاز وأصوات منكرة. قدموا لنا ثقافة راقية متكاملة وسندافع عنها لأيماننا العميق أنها من ضرورات الحياة التي لا ترتقي الأمم إلا بها. وأنها تقف جنبا إلى جنب مع الطعام واللباس والمسكن. أما العبث وصرف الأموال في تفاهات فهو جريمة الأولى صرفها في مساحات خضراء ذات لمسة فنية وقد صارت أحياؤنا مساكن للأشباح. الاولى صرفها في صناعة فن موسيقي راق ودعم أصوات غنائية متميزة يمكن أن تمثلنا في الداخل والخارج. الاولى صرفها في فعاليات ثقافية راقية تنهض بهذا المجتمع. أما التستر بالفن لدعم الرداءة فإنها كلمة حق أريد بها باطل. ومن حق الشعب أن يفرض الفن الذي يريد والغناء الذي يقبل. ومن حقه أن يراقب إنفاق أمواله أيضا. وبدل أن تفرض الإدارة عليه شيئا عليها أن تستجيب لمطالبه. وأذواقه وقناعاته.