بقلم : محمد بوعزارة
قمتُ هذا المساء صحبة الصديق الدكتور محي الدين عميمور بزيارة للصديق الأخضر بورقعة رائد جيش التحرير الوطني و أحد القادة البارزين في الولاية الرابعة التاريخية و ذلك لتهنئته على نجاح العملية الجراحية التي أجريت له مؤخرا بأحد العيادات الخاصة بالعاصمة .
الأخضر بورقعة واحد من المجاهدين الأشاوس الذين أبلوا البلاء الحسن أثناء ثورة أول نوفمبر الخالدة ، فهذا البطل الذي ينحدر من بلدة العمارية التي تظم أكبر عدد من شهداء ولاية المدية عرفته مختلف الجبال و الشعاب و الوديان و السهوب التي كانت تابعة للولاية الرابعة التاريخية ، حيث كان الرائد الأخضر بورقعة مجاهدا و ضابطا بارزا في جيش التحرير الوطني ، و قد عمل تحت لواء مختلف قادة هذه الولاية من الجيلالي بونعامة إلى محمد بوقرة إلى يوسف خطيب.
غادر الرائد سي الأخضر صفوف جيش التحرير الوطني مع فجر استعادة الاستقلال ، إذ بالرغم من إلحاح العقيد هواري بومدين رئيس أركان جيش التحرير الوطني و أول وزير للدفاع بعد استعادة الاستقلال عليه بالبقاء ضمن صفوف الجيش الوطني الشعبي ، فإن الرائد سي بورقعة راح يقدم للعقيد بومدين وثيقة مكتوبة تظم قائمة جنود و ضباط الولاية الرابعة و الإمكانيات التي كانت بحوزة تلك الولاية، حيث فضَّل أن يكون مناضلا في صفوف جبهة التحرير الوطني التي استقطبت مع فجر الاستقلال عددا هاما من ضباط جيش التحرير الوطني .
لم أكن أحب بومدين ، و لكنني لم أشار ك في الانقلاب ضده ..
كان من المتداول في بعض الكتابات الصحفية و التصريحات السياسية أن الرائد بورقعة يعتبر أحد الضالعين الرئيسيين في محاولة الانقلاب العسكري التي قادها العقيد الطاهر الزبيري رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الأسبق ضد رفيق دربه ووزيره للدفاع الرئيس الراحل هواري بومدين عام 1967.
و لكن سي الأخضر أوضح أنه لم يشارك إطلاقا في عملية الانقلاب و لم يكن يعلم به أصلا بالرغم من أنه يًقرُّ أنه كان في تلك الفترة لا يحب بومدين لكونه قرَّب إليه ضباط فرنسا الذين التحقوا بالثورة على حساب ضباط جيش التحرير الوطني .
و يذكرسي الأخضر بهذا الصدد أنه كان موجودا بمقر محافظة جبهة التحرير الوطني بالبليدة بعد أن تبين أن الانقلاب الذي تزعمه العقيد الطاهر الزبيري قد فشل ، و كان عدد ممن ساندوا في الظاهر ذلك الانقلاب موجودين بمقر المحافظة و من بينهم الراحل امحمد يزيد وزير الإعلام في الحكومة المؤقتة و سفير الجزائر لاحقا في عدة بلدان من بينها بيروت .
و لكن الغريب أن هؤلاء بدأوا يتفرقون جميعا و يغادرون الواحد تلو الآخر مقر الحزب ، و يتخلون عن زعيم المحاولة الانقلابية العقيد الطاهر الزبيري الذي وجد نفسه وحيدا بعد أن تلقى معظم هؤلاء الذين كانوا حوله مكالمات هاتفية أو اتصالات من بعض المقربين من بومدين و من بينهم دراية رحمه الله .
و يوضح سي الأخضر بورقعة كيف أنه راح يتأسف لحالة العقيد و المجاهد الصلب الطاهر الزبيري متطلعا إلى المصير الذي قد يلقاه إذا عثر عليه رجال بومدين و هو في ذلك الوضع وحيدا من دون رجال و لا سند ، حيث أقنعه بضرورة مساعدته على الهروب و التخفي .
و يضيف سي بورقعة أنه ظل لمدة شهر كامل يُهرِّب العقيد الطاهر الزبيري من مكان لآخر عبر العديد من قرى و أحياء البليدة و العاصمة إلى أن قام صحبة الدكتور أرزقي هرموش ، و هو واحد من الأطباء المنحدرين من بجاية بتهريب العقيد الزبيري على متن شاحنة كان يمتلكها المدعو جمال مقاتلي، و هو مواطن ينحدر من باتنة، و كان على علاقة متينة بالطاهر الزبيري حيث، جرى نقله نحو ميناء العاصمة على متن شاحنة ، و من هناك اتجهت به تلك الشاحنة المحملة بالخشب نحو الأوراس قبل أن يتم تهريبه خارج الوطن .
لو التجأ إلي بومدين لقمت بتهريبه !!
كان رجال الرئيس الراحل هواري بومدين رحمه الله في تلك الفترة يتابعون حركات الرائد سي الأخضر بورقعة، و كان من بين هؤلاء الراحل صالح فيسبا أحد رجالات الأمن الأقوياء في تلك الفترة ، و عندما راح الأخير يستنطق سي الأخضر عن العقيد الطاهر الزبيري راح سي الأخضر يخاطبه بقوله :
و الله لو أن الطاهر الزبيري نجح في الانقلاب ضد بومدين و أطاح به، و جاء بومدين يطلب مساعدتي فإنني سأتخذ معه نفس الموقف .
و عندما شعر سي الأخضر بالعديد من المضايقات من طرف رجال الرئيس الراحل هواري بومدين، اضطر إلى مغادرة الوطن ، و لم يعد إليه إلا بعد مضي عام من ذلك .
سي الأخضر بورقعة المناضل الشرس لا يكف عن النقاش في مختلف المحافل دفاعا عن القضايا العادلة و خاصة قضايا الأمة العربية التي يرى أنها أمة باتت تنحدر إلى الحضيض.
ناصر سي الأخضر القضية الفلسطينية و دافع عنها دفاعا مريرا ، و ناصر العراق في عهد الرئيس الراحل صدام حسين، إذ ترأس وفد من المناضلين ضمن زيارة إلى العراق و استقبل من قبل الرئيس صدام رحمه الله عام 1995.
سي الأخضر بورقعة الذي يسكنه حب الوطن حتى النخاع يعترف بأنه كان يكره بومدين حتى العظم ، لكنه غيَّر موقفه الآن 180 درجة من الرجل مما جعل الدكتور عميمور يكتب ذات يوم على صفحته في الفيسبوك عنه : إن سي بورقعة كان خصما شريفا للرئيس بومدين رحمه الله .
أطال الله عمرك سي الأخضر .