تمنيت لو استطعت الصمت. فلا مباهاة في تعرية المرء لوطنه على المنابر.
لكنّنا في حضرة التاريخ ، ولا يمكننا الصمت على اغتصاب الجزائر على مرآى من أبنائها ، و تقزيم قامتها ، وتشويه كلّ ما كان جميلاً فيها ، ليبدو مغتصبوها أقلّ إجراماً .
هذه الكبيرة المُهابة ، التي استفرد بها اليوم قطاع طرق التاريخ ، هي أمّنا . وكما أوصى الرسول ” أمّك ثمّ أمّك ثمّ أمّك ” ليكن شعارنا ” الجزائر ثمّ الجزائر ثمّ الجزائر” ، فهي الأَحق بولائنا ، وليس لسواها من حقٍ علينا .
بين إرهاب القتلة ، وقتلة الأحلام ، سُرق من عمر الجزائر جيلين . وها نحن أمام شباب يمثّل اليوم سبعين في المائة من الشعب ، يسأل عن حقه في وطن كان كريماً مع اللصوص ، وبخل على أبنائه بالحياة الكريمة .فخرج يطالب بأن لا يسلبوا منه المستقبل ، بعد أن سطوا على ماضيه و سرقوا حاضره .
إننا اليوم ، أمام أهم مفترق تاريخيّ منذ استقلال الجزائر . ثمّة خطر محدّق بنا لا يمكن أن نتفاداه ، إلاّ بوعيّ جماعيّ بما يخطط لنا ، وبحسّ وطنيّ يقينا فتنة سيكون فيها دمارنا ، و هو مطلب أعدائنا وأقصى أمانيهم . نحن شعب عاطفيّ يقوده قلبه ، لكن ، علينا ألا ندع العاطفة تحكمنا ، والإحباط يُشعلنا ، و لتكن يقظتنا دائمة ، وغيرتنا على الجزائر حاضرة ، و حرصنا على منشآتها ، دَين في أعناقنا تجاه من استشهدوا من أجلها.
ثمّ ، إنّ في تشويه صورة الرئيس بوتفليقة من أية جهة كانت ، هو تشويه لصورتنا أمام العالم ، فكرامته من كرامتنا ، و عزته من عزة الجزائر. و كلّما تناقلت وسائل الإعلام الغربية سخريتنا منه ، وزادت عليها لؤم سخريتها ، هي تحقّرنا وتسخر في الواقع منا ، وتشمت بما إلنا إليه ، واسألوا المغتربين أيّ إحساس مهين يعيشونه .
أشارك أحد المعارضين الأشداء للعهدة الخامسة رأيه ، بأن الرئيس بوتفليقة برغم كل سيئاته أرفع من الذين يحكمون الجزائر باسمه . إنّ رجلا قاس نفسه دائما بالكبار ، ما كان ليكون غير مبال لنظرة التاريخ إليه ، ولا كان ليقبل بأن يغادر التاريخ صغيرا مُهانا .
قبل سبعة سنوات من الآن ، سنة 2012 يذكر الجميع قوله الشهير في خطابه بمدينة سطيف ” جيلنا طاب جنانو ” وكان يعني أن جيل الثورة قد هرم وأنه حان للشباب أن يحلّ مكانه ، مرددًا مرتين ” عاش من عرف قدره ” . وحدهم أهل مكة يدرون لماذا في شعاب السياسة ، أخذت الأمور لاحقا منحى مُعاكساً .
هذا الرجل الذي كان يعاني من ” جنون الكرامة ” و لا يتردد في قطع خطابه ، والنزول إلى القاعة ليتشاجر مع أحد ظن أنه تلفظ بما يسيء إليه ، هل كان ليقبل بالبقاء جالسًا على كرسي الحكم ، متفرجًا على من يُمزّقون صوره و يدوسونها على مرأى من العالم ؟
بإمكان الجزائري أن يغضّ الطرف عمّن يسرق ما في جيبه ، لكنه لا يقبل فوق ذلك أن يستخف بفطنته و أن يهين كرامته. وهو بتحرّكه اليوم يطالب من يحكمون باسم بوتفليقة ، بالعزة والكرامة التي كانت شعاره . فقد أصيب شعبنا بإعلان العهدة الخامسة ، في كرامته وكبريائه ، التي يحملها في جيناته. لكم ما أخذتم ، فدعوا لنا العنفوان وبعضا من ماء الوجه لنقابل به العالم .
أنهي بما كتبته سنة 2014 في مقال بعنوان ” لا حياء لمن تنادي ” :
لا نريد جزائر في ذمة التاريخ ، بل نريد الدفاع عن تاريخ الجزائر الذي في ذمتنا . قد لا نملك ما تملكون من ترسانة الأكاذيب للردّ عليكم ، لكن أيها السادة ،دم الشهداء سيقف عند خروج الروح بينكم وبين الشهادة . سيسألكم ” لماذا فعلتم بالجزائر كلّ هذا ؟ !”