تمثل بوحيرد “أيقونة” النساء المغاربيات والعربيات الثائرات، استقبلها الرؤساء، أُخرجت حول قصتها أعمال سينمائية، وألّف شعراء كبار قصائد مدح في بطولتها.
من الرقص والأزياء..
في حي القصبة العتيق بأعالي العاصمة، رأت جميلة بوحيرد النور عام 1935، لأب جزائري مثقف وأم تونسية، وهي البنت الوحيدة بين 7 ذكور.
دخلت المدرسةَ الفرنسية ثم التحقت بمعهد للخياطة بسبب حبها لتصميم الأزياء، كما تعلمت الرقص الكلاسيكي، وكانت بارعة في ركوب الخيل.
يقول عنها أستاذ التاريخ في جامعة الجزائر، الدكتور مصطفى نويصر “بوحيرد ليست فتاة خارقة مثلما يتخيل البعض، فعلا هي رمز للثورة الجزائرية، لكنها قبل ذلك كله ابنة عائلة جزائرية متوسطة، وهي كغيرها من كثير من فتيات الجزائر، أحبت وطنها والتحقت بالثورة دفاعا عنه”.
ويضيف نويصر متحدّثا عن أصول بوحيرد “أصول هذه المرأة تعود إلى ولاية جيجل (شرق)، رحلت عائلتها إلى العاصمة واستقرت في حي القصبة بالعاصمة، وهناك ترعرعت ودرست”.
جميلة ثائرة..
عندما اندلعت ثورة الجزائر في نوفمبر 1954، كانت جميلة في سن الـ19، ولم تتأخر في اتخاذ قرار الالتحاق بـ”الخاوة” (لقب يطلقه المقاومون على بعضهم)، فانضمت إلى صفوف المقاومين بالعاصمة، ولعبت دورا كبيرا في ضرب المستعمر بقوة.
عن التحاق جميلة بمعركة الجزائر سنة 1956، يقول أستاذ التاريخ بجامعة الجزائر، الدكتور محمد لمين بلغيث “كانت بوحيرد في فريق فدائي نسائي مكون من ثلاث فتيات عُرفن تاريخيا باسم جميلات الجزائر، وهن: جميلة بوحيرد وجميلة بوباشا وجميلة بوعزة”.
ويستطرد بلغيث موضحا، أن مهمة هذا الفريق “تمثلت في وضع قنابل في أماكن تجمع الجنود الفرنسيين والمستوطنين بالعاصمة، وقد نجحن في إلحاق خسائر كبيرة بالعدو في العدة والعدد”.
بعد مطاردة دامت 3 سنوات تمكن المستعمر من إلقاء القبض على بوحيرد، وتحديدا سنة 1957 إثر إصابتها برصاصة في الكتف، وكانت بوحيرد المطلوبة رقم 1، وستمثل هذه المرحلة بداية آلام كبيرة لجميلة، وبداية شهرة عالمية لها.
التعذيب.. وحكم بالإعدام
قضت بوحيرد 3 سنوات من السجن في الجزائر تحت تعذيب شديد، ثم نُقلت إلى فرنسا لمحاكمتها، وقد تصدّر للدفاع عنها المحامي العالمي المشهور جاك فيرجيس، الذي تزوجها فيما بعد.
طيلة شهر كامل، تعرضت جميلة للصعق بالكهرباء وإطفاء أعقاب السجائر في صدرها وجسدها، ولم تلفظ اسما واحدا من أسماء رفاقها، فكان يُغمى عليها وعندما تستيقظ تقول للمحققين “الجزائر أُمّنا”.
ويؤكّد الدكتور بلغيث أن بوحيرد “تحمّلت أنواعا من التعذيب من أجل الثورة وحوكمت في فرنسا، وصدر حكم بإعدامها في مارس 1958”.
ويسترسل بلغيث قائلا “ثار العالم كله من أجل إلغاء حكم إعدام جميلة، واجتمعت من أجل هذا لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، بعد أن تلقت الملايين من برقيات الاستنكار من كل العالم، فاضطرت فرنسا لاستبدال الحكم بالمؤبّد”.
ومن أشهر ما قالته بوحيرد لجلّاديها أثناء المحاكمة “أعرف أنكم ستحكمون علي بالإعدام، لكن لا تنسوا أنكم بقتلي تغتالون تقاليد الحرية في بلدكم، ولكنكم لن تمنعوا الجزائر من أن تصبح حرة مستقلة”.
بقيت المقاوِمة الجزائرية في السجن بفرنسا حتى الاستقلال وهي المناسبة التي أطلق فيها سراحها، فعادت إلى الجزائر لتراها حرة.
إلى العالمية
بعد خروجها من السجن تزوجت جميلة محاميها الفرنسي جاك فيرجيس، وفتح العالم ذراعيه لاستقبال من باتت أيقونة للثورة الجزائرية وأحد رموزها.
زارت بوحيرد دولا كثيرة بعد الثورة، كلبنان ومصر على عهد جمال عبد الناصر والسعودية وتونس وسوريا، كما أنتج المخرج المصري الراحل يوسف شاهين فيلما عن بوحيرد عندما كانت في سجنها بعنوان “جميلة “، تكريما لها.
لكن ما يلفت الانتباه في سيرة بوحيرد حسب المختصين في تاريخ الجزائر، هو أنها التزمت الصمت ولم تتحدّث عن أعمالها في الثورة الجزائرية.
عن هذا الجانب من حياتها يقول أستاذ التاريخ الدكتور نويصر، إنها اختارت أن تبقى بعيدة عن الإعلام ولم تصرّح أبدا بما قامت به، مؤكدا أنها “لم تطلب شيئا لنفسها من رؤساء الجزائر أو من الرؤساء العرب الذين استقبلوها، لقد أرادت أن تبقى كبيرة”.
لا تزال بوحيرد تعيش في الجزائر ولا تزال تتلقى التكريم عبر العالم، كان آخرهاتكريم في مصر.
تغنّى كثير من الشعراء العرب بجميلة وبطولتها، أشهرهم: نزار قباني، صلاح عبد الصبور، بدر شاكر السياب والجواهري.