بعد أن عشنا اليقظة الدينية التي يمكن لأي محايد من الملاحظين أن يلحظها في مختلف أنحاء العالم ها نحن بدأنا نتقهقر بفعل عوامل كثيرة داخلية وخارجية من دون شك ولقد علقنا الآمال العراض على هذه العودة إلى الدين وانبعاث العامل الإيماني في نفوس البشر بعد حقبة سادتها قيم المادة والكم إذ من المؤكد أن المدنية الغربية أوروبية وأمريكية مجتمعة قد فشلت في تحقيق السعادة والنهوض بالإنسان أينما كان وهو يحيى في واقع لا يحسد عليه وكيف تنتظر من مدنية بنت سلوكها وفلسفتها في الحياة على القوة والمادة والتسلط والجبروت والعنصرية حتى النصرانية استعملوها كرداء خارجي يتسترون به، وإن كانت هي في نفسها تحمل الكثير من الظلم بفعل تحريفها على أيدي الأحبار والرهبان.
واستطاع التقدم التقني الذي حققوه أن يزيد من الهوة في مجتمعاتهم بين القيم الأخلاقية والسلوك الممارس في الواقع وأصبح الحديث عن نصرة المظلوم أو الإحسان والعفاف ومساعدة الضعيف وإطعام الجائع من المسائل التي تدرس في كتب الأخلاق ليس إلا هذا إذا كان من يدرسها من المهتمين بحقول الدراسات الإنسانية والاجتماعية لا اثر لها في واقعه وحياته وينظر إليها على أنها من الأشياء التي دخلت حيز الماضي والتراث.
لقد توقع الكثير من الغربيين سياسيين ومفكرين وفلاسفة ودارسين ومنهم رئيس الوزراء البريطاني غلادستون عودة الدور القيادي الريادي للمسلمين وان الغلبة في نهاية المطاف لن تكون للغربيين لأنهم ببساطة لا يملكون إمكانات ومقومات إنقاذ البشرية من واقعها المقيت ومن الهلاك التي هي آيلة إليه بسبب بعدها عن الله وعدم إيمانها بدور الإنسان الذي هو مستخلف في الأرض وموكول إليه قيادة التطور والمشي في الأرض قصد استعمارها بما ينفع وإن كانت اعترافات هؤلاء إلا ما نذر منها تأتي مغلفة من الخوف والهلع من هذا البعبع ا لذي يصور على أنه يريد أن يأكل الناس ويلتهمهم إن تمكن من ذلك يقول غلادستون : ” ما دام هذا القرآن موجودا فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق ولا أن تكون هي نفسها في أمان “.
لقد تفطن هؤلاء لهذه اليقظة والتحق ب “غلادستون “وأشباه “غلادستون” عدد غير قليل من القادة والحكومات ومن ورائها المختبرات لدراسة كيفيات وأساليب المواجهة وليس من شك أن الاستعمار الجديد بما فيه الصهيونية لن يستسلم بسهولة ولذلك رأيناهم يمعنون في التخطيط لتحييد اتجاه هذه اليقظة بعيدا عن الهجوم والعداء المباشر فراحوا يجندون لهذه المهمة أفرادا وجماعات من داخل مجتمع اليقظة نفسه تناط بهم مهمة التخريب والعنف والدس وهو أمر اخطر بكثير من الحرب الخارجية الظاهرة للعيان.
وعلى هذا الأساس وبناء على ما تقدم يجب تركيز الجهد التربوي على مجتمع الصفوة الذي تناط به عملية الإنقاذ قبل التوجه بالدعوة على الآفاق وغلى الشعوب قاطبة وهو ما يعني بالمختصر المفيد أن يكون البناء الداخلي متراصا متكاملا سليم القواعد حتى لا يعتريه الخلل والزيغ لأن مهمات بهذا الحجم وهذا المستوى ليست في حاجة إلى ردات فعل بقدر ما هي في حاجة إلى فعل مؤثر يبدأ فيه الفرد من جديد الذي أخد على عاتقه مهمة العمل في إطار اليقظة من ذاته وفقا لتوجيهات الآية الكريمة : {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} لان تخليص ذات الإنسان من رواسب السلبية وتأسيسها على قيم سلوكية مستمدة من المبادئ الدينية هو الأساس الصالح للانطلاقة باتجاه الأهداف بخطى ثابتة متوازنة من جديد