بقلم : محمد علال

“الممثل الذي لا يمتلك عيون تتكلم أمام الكاميرا هو ممثل يمكن أن يصنف في خانة (معطوبي الفن)، و في مشاعر فإن عيون الممثلين الجزائريين الثلاثة ( حسان، سارة، نبيل)، كانت تتكلم في كل لحظة و أتحدى أي ممثل أن يتمكن من الوصول إلى ذلك المستوى في لغة العيون” بسهولة.هذه خلاصة مشاهدتي لمسلسل “مشاعر”.

لقد تفرغت في الأيام الأخيرة منذ عودتي من (كان) لمشاهدة ما فاتني من حلقات الأعمال الجزائرية، التي صنعت الحدث منها “مشاعر”، و وسط الجدل، تبدو المقارنة التي يقوم بها البعض أشبه بمقارنة طعم ثلاثة حبات التمر التي يشق بها الصائم افطاره و بين طعم الزلابية في السهرة.

الملفت للانتباه في العمل، هو إمتلك هؤلاء الممثلين الثلاثة لقدرة عجيبة على التمثيل بالعيون و هو أمر صعب جدا يذكرني بكلمة قالها لي مرة مرزاق علوش:”من لا عيون له لا مكان له في عالم التمثيل”. ألفريد هتشكوك نفسه كان يضع العيون في مقدمة الحوار و يركز عليها ( راجعوا عيون جانيت لي في سايكو، و رود تايلور و تيبى هيدرن غيرهم من الممثلين الذين تعامل معهم هتشكوك).

لقد استطع هؤلاء الثلاثة محاورة القصة من خلال نظرات العيون، عند حالة الغضب و الغيرة و الانتقام و الحب كانت العيون سيدة المشاعر، و صراحة قد وصل حسان و سارة و نبيل إلى مستوى عالي جدا في هذه المرحلة.

مشكلة البعض أنهم يقارنون أداء نبيل باداءه في ( دقيوس و مقويس)، و للاسف لان الجمهور لم يشاهد أعمال نبيل السينمائية فهم لا يعرفون دوره في فيلم “الدليل” للمخرج عمور حكار الذي حاز عليه على (جائزة احسن ممثل في اسبانيا)، و هو الدور الذي تطلب منه الغوص في الحالة النفسية إلى أبعد الحدود، تمام كما في “مشاعر” الذي اعتمد على الجانب النفسي بشكل أساسي، و لا يمكن لأي ممثل عادي تحقيق ذلك بسهولة. و هنا أتذكر كيف اختارت السعفة الذهبية هذه السنة تكريم انطونيو بندراس بجائزة أحسن ممثل عن دوره في فيلم “آلم و مجد” لالموفودار و ذلك بالنظر للمجهود النفسي الكبير في أبعاد الشخصية.

حسان كشاش تميز كثيرا في هذه النقطة أيضا، شخصيا اعرف كل ادواره و شاهدت كل أعماله سواء في السينما أو التلفزيون كما أنني اعرفه شخصيا، لهذا اقول ان ما قدمه كشاش من أداء عن طريق لغة العيون خطوة هامة في مساره الفني.

بالنسبة لسارة، التي يقارن البعض أداءها بأداء الممثلة المتميزة مريم بن شعبان ، فأعتقد أن المقارنة مجحفة و غير فنية ، فهما حالتين مختلفين تماما، فالبرود في المشاعر هو جزء من دور سارة و هي مرحلة ليس من السهل الوصول إليها دون تدريب نفسي و بدني، فهي شخصية محطمة و مشتتة و باردة الطبع رغم كل الإغراءات و حياة الرخاء إلا أن زهرة تعيش حالة توهان و تبدو مستفزة، و هذا الأمر ما يجعل بعض الجمهور خصوصا المراهقين يكرهون الشخصية لما تشكله من محور للمآسي ، تمام كما يكره الأطفال شخصيات الشر.

مشاعر في اعتقادي هو أهم عمل درامي جزائري عرف كيف يعزف على أوتار التناقضات، معتمدا على الحالة النفسية لشخوص معقدة و رغم أنها محطمة نفسيا لكنها تملك قدرا كبيرا من الحفاظ على الهدوء و الصمت، دون صراخ و بكاء أو شد للشعر و ضرب، هكذا وصل أداء الممثلين إلى مستوى عالي جدا من الصدق.

مسلسل مشاعر سيأخذ حقه لاحقا، عندما يتم عرض الجزء الثاني منه خارج شهر رمضان، و اعتقد أن قرار عرضه في شهر رمضان لم يكن صائبا و قد ظلم العمل و الممثلين.

في الصورة (ثلاثة عيون، كل عين تقول شئ مختلف و تنقل احساس مختلف تماما عن عيون الشخص الآخر )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *