أفكاردخيلة ومؤامرات كبيرة دُمِّرت البلدان ، ومزًقت الأمة، وضاعت المجتمعات ، فوضىً بلا إصلاح ،جاءت لتفرق البلدان والشعوب ، جاءت لتدمر شأنها، جاءت لتقضي على كل رطبٍ ويابس، جاءت لتنشر الفوضى في كل شارع المدن العربية ،جاءت لتحطيم الأمة، وتفريق شملها، وإشغالها بما تُشغل به، حتى يتفرغ الأعداء لمقاصدهم ومخططاتهم الرهيبة فينفذوا منها ما يريدون على حين غفلةٍ من الأمة، وتجاهل واشتغال بالقشور دون الحقائق، وأصبحت تلك الفتن وقوداً للأمة لتدمير كل القيم فيها دينية ودنيوية،
وأصبحت الأمة في فوضى، وتراجعت سنين عديدة، لن تستطيع أن تصلح وضعها في سنين قليلة، لأن الوضع خطير، والجرم كبير، والفساد عريض
فليبيا الشقيقة والجارة والمسلمة تمر بهذه المرحلة فلها علينا حق الإسلام
ومؤشرات خطيرة وتوتر الوضع الأمني والسياسي في ليبيا تنذر بكارثة
لا قدر الله إذا لم تتدارك الوضع …
فكل المتنازعين والمدعمين والمتعاونين مسلمين ومجموعة من القيم تجمعهم .
وكلهم يعلمون بإن الله عز وجل قد أكمل لنا الدِّين، وأتم علينا نعمتَه، وبيَّن لنا المنهج القويم لنسير عليه؛ ليصبح المجتمع الإسلامي مجتمعًا تسُودُه المحبة والمودة والأُلفة بين أفراده، ولا يخلو مجتمع من مشاكلَ أو منازعات بين أفراده؛ ولذا يجب أن يكونَ في كل مسجد، وفي كل حي، وفي كل شركة، أو مصنع، أو مدرسة، أو مؤسسة حكومية أو خاصة – جماعةٌ مِن أهل الدين والفضل والعلم تقوم بالإصلاح، وتوقِف الظالم عن ظلمه، وترده إلى رشده وصوابه،ولقد حثنا الله على ذلك؛ حيث يقول سبحانه في محكم التنزيل: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104].
فمنذ انتخابات الليبية التي لم يتم الاعتراف بها من طرف بعض الدول الإسلامية. الداعمة للمعارضة وإعلان الجهاد ضد قيادتهم وحلفائها
الجهاد ؟ ؟ عجبا والعجب العجاب ، أن كل الأطراف مسلمون والله يخاطبهم (وتعاونوا على البر والتقوى التركي ولا تعاونوا على الإثم والعدوان …°°)
والغريب ينتظرون من الدول الكبرى التدخل ـ والثمن معروف والتنازلات معروفة ـ وهذا يعد من أهم المؤشرات على مزيد تعقد الوضع داخليا وخارجيا.
وأن دعوة الجهاد ضد من ؟ وقتال من ؟
أما النظرة الثانية لخطورة الوضع في ليبيا فيتمثل في أن تعفن الوضع وزيادة في التصعيد يعني ذلك بالأساس خروج مفاتيح الوضع الليبي من أيدي الليبيين نحو قوى إقليمية وربما دولية. في مثل هذا الوضع من التدويل، سوف يكون من الصعب حصول إجماع داخلي على أي مشروع مصالحة نظرا للصبغة الخارجية المفروضة التي سوف يتسم بها.
وما دام الأمر كذلك فأين دور الإسلام وموقعه من هذه الفتنة ؟؟؟أم أن الإسلام في المساجد فقط؟
بعض الناس يفكرون ويحللون ويعللون ويزيدون إلى هذا التباعد الداخلي، شدة الخلافات بين القوى الإقليمية المتدخلة بشكل مباشر في الملف الليبي. فالخلاف بين مصر وتركيا لا يتعلق فقط بالدور في المجال الإقليمي وفي المصالح بشرقي المتوسط بما فيها ثروة الغاز الطبيعي. بل يتعلق الأمر بالنسبة للجانب المصري بالنظام ذاته
في المقابل تعتبر بأن الفضاء العربي المشرقي هو فضاء التوسع الافضل لتركيا نظرا للعوامل التاريخية والثقافية وذلك في ظل انسداد الافق الأوروبية.
وربما ما يزيد من غموض ومن تعقد مستقبل الوضع الليبي هو تهميش دور الجامعة العربية وكأن وضع المواجهة العسكرية حتمي إذا لم يكن هناك توافق ليبي شعبي حوله الصلح وتحرك الخيريين من هذه الأمة .
دور الإسلام في الإصلاح ضروري ويجب تفعيله على مستوى الهيئات العلمية والجامعات الإسلامية والعلماء ونشر ثقافة الحوار وهذا من صميم الدين…
قال الله تعالى قال الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات: 9، والإصلاح بين الناس وصية ربِّ العالَمين: وكثيرًا ما يَهدي القلوب الشاردة، ويؤلِّف القلوب النافرة، ويأتي بخير، وهذا أفضل من الزجر والتأنيب والتوبيخ
فإن الإصلاح بين المتخاصمين له منزلة كبيرة عند الله تعالى ولقد جاءت آيات كثيرة في القرآن تتحدث عن الإصلاح بين الناس.
قال سبحانه: ﴿ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا ﴾ [النساء: 85.
يقول الله تعالى: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 114
ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم يحثُّنا على الإصلاح بين الناس:
روى الشيخانِ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل سلامى من الناس عليه صدقةٌ، كل يومٍ تطلع فيه الشمس يعدل بين الاثنين صدقةٌ، ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها أو يرفع عليها متاعه صدقةٌ، والكلمة الطيبة صدقةٌ، وكل خطوةٍ يخطوها إلى الصلاة صدقةٌ، ويميط الأذى عن الطريق صدقةٌ))؛ البخاري
روى أبو داود عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم بأفضلَ مِن درجة الصيام والصلاة والصدقة؟)) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((إصلاح ذات البَيْنِ، وفساد ذات البَيْنِ الحالقة))؛ (حديث صحيح)
قال شمس الحق آبادي (رحمه الله): في الحديث حثٌّ وترغيب في إصلاح ذات البَيْن، واجتناب عن الإفساد فيها؛ لأن الإصلاح سبب للاعتصام بحبل الله، وعدم التفرق بين المسلمين، وفساد ذات البَيْن ثُلمة في الدِّين، فمَن تعاطى إصلاحها ورفع فسادها، نال درجة فوق ما يناله الصائم القائم المشتغل بخويصة نفسه)
وينبغي على الأئمة والعلماء أن تبذلوا جهدهم ووقتهم قدر طاقتهم والمساهمة لحل المنازعات بين المتخاصمين؛ لتعود المودة بين أفراد المجتمع ؛ مِن أجل ذلك فإن هذه الطائفة المصلحة والساعية لها منزلة عظيمة عند الله تعالى يوم القيامة
الأكيد أن الأعداء يقفون بالمرصاد لمن يريد الإصلاح
وأن شياطين الإنس والجن لهم بالمرصاد؛ فليكن هولاء المصلحون على حذَر من هؤلاء الذين يسعون في الأرض فسادا
يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ فاطر: 6
ويحاول الأعداء جاهدين أن يُبعِد المسلم عن القيام بالصلح بين المتخاصمين، ويوسوس له أنه سوف يتعرض للأذى، أو ينال الناس من عِرضه، وأن هذا الصلح سوف يجعله يفقد ماله وجهده ووقته، وأن غيره من الناس يمكن أن يكفيَه الصلحَ بين المتخاصمين، فعند ذلك يجب أن يستعيذَ المسلم بالله من الشيطان الرجيم،
وعلى المسلِم أن يتذكر أيضًا أن الصلح بين الناس له منزلة عظيمة عند الله تعالى، وهو باب عظيم من أبواب مغفرة الذنوب، يجب عليه أن يسارع إليه.
ويعلم أن أساس الثواب وقبول الأعمال عند الله تعالى يكون بإخلاص العمل لله وحده، وأن يكون بعيدًا عن الرياء والسمعة، وألا ينظرَ العبد مدح الناس له على أعماله
روى البخاري عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى))؛ رواه البخاري
كما يتطلب من المصلح الرِّفق وحُسن الخُلق من الصفات التي تتوفر في المصلح ؛ لأن العنف المفرِط قد يؤدي إلى مفسدة عظيمة لا يُحمَد عقباها،وهذا الخُلق الحميد من الرِّفق ولِين الجانب هو الذي تربى عليه الأنبياء والمرسلون وساروا عليه عند الإصلاح بين الناس، والإسلام يحثنا على الرِّفق وحُسن الخُلق مع الناس.
يقول الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ آل عمران: 159.
وقال الله تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل: 125
روى مسلمٌ عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الرِّفق لا يكون في شيءٍ إلا زانَه، ولا يُنزَع من شيءٍ إلا شانَه))؛ مسلم.
ومخالطة الناس بالجميل والبِشْر، والتودُّد لهم والإشفاق عليهم، واحتمالهم، والحِلم عنهم، والصبر عليهم في المكاره، وترك الكِبْر
والصبر وتحمُّل الأذى من الصفات الهامة التي يجب أن يتحلى بها مَن يقوم بالإصلاح بين الناس، وطالما هناك مهمة سامية، فالغالب أن يصاحبَها أذًى من المتخاصمين، ويظهر هذا جليًّا في وصية لقمان لابنه؛ حيث يقول الحقُّ تبارك وتعالى حكاية عن لقمان: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ لقمان: 17
بقلم الأستاذ/قسول جلول
باحث وإمام بمسجد القدس حيدرة