كتب الروائي و الكاتب أمين الزاوي رسالة إلى بوتفليقة يذكره فيها بأنه سيرحل من السلطة ويتركها كما وجدها ،هذا نصها:
السيد الرئيس، أعرف مسبقا بأنك لن تقرأ رسالتي هذه، التي حرصت أن تكون قصيرة حتى لا آخذ من وقتك القصير المتبقي أكثر، أعرف أنك لن تقرأها مع أنك سيّرت البلاد هذه على وسعها و على تعداد بشرها الذي فاق الأربعين مليون نسمة، و لمدة عهدة رئاسية كاملة و أكثر، سيرتها بالرسائل و بالمراسيل، حتى حولك البعض أنت أيضا إلى “مرسل” من عند الله، و مع ذلك أكتب لك، و أنا على أمل أن يقرأها الذي يكتب الرسائل باسمك، و يقرأها الذي يعتقد بأنك مرسل من عند الله.
السيد الرئيس، لقد احتفل بك هذا الشعب حين جئت السلطة، استقبلك بكثير من الأمل و الاحترام، و بكثير من الحلم الذي غيّبته العشرية السوداء بدمها المهدور و كراهياتها الفائضة، مع أنك في كل ذلك لم تكن سوى استمرار لما قام به السيد الرئيس اليمين زروال، في قانون الرحمة.
السيد الرئيس، لقد جئت و أنت تتغنى بجمع المتفرق في الجزائريين، كنت تقول لقد لاقيت بين الجزائريين ذوي اللحى (تعني الإسلاميين) و ذوات الميني-جيب (تعني الحداثيين).
لكن ها أنت في ساعة الرحيل طوعا أو قسرا، و الجميع يشعر بعودة إسلاميي الحزب الفاشي المحل، فهم يمرحون و يصرحون و يهددون، و أصبح مشروع الجزائر المعاصرة المدنية، جزائر المواطنة، عبارة عن وهم أو سحابة صيفك السياسي الذي دام عشرين سنة.
السيد الرئيس، جئت إلى السلطة في القرن الماضي و عمّرت فيها عشرين سنة، و ترغب في المزيد، و لطالما قلت في خرجاتك الكثيرة و خطبك الطويلة سأعيد العزة و الكرامة للجزائريين، و بعد عشرين عاما أين هي العزة و أين هي الكرامة المسترجعتان، السيد الرئيس.
السيد الرئيس، الذين و لدوا خلال العشرين سنة من عهداتك المفتوحة، يرمون بأنفسهم في البحر، و الذين بلغوا منهم من العمر عتيا يهاجرون إلى كندا…
جئت أيها الرئيس السلطة في زمن ساد فيه رأسمال الخوف، خوف الجزائري من الجزائري و خوف الجزائري على الجزائر، و ها أنت تغادرها، غصبا أو طواعية، و الخوف لا يزال قائما في البلد و في العباد، بل تعدد هذا الخوف من خوف سياسي إلى خوف اجتماعي و أخلاقي، و أضحى وجود البلد في خطر.
جئت أيها الرئيس سدة الحكم و قد وجدت خزائن البلد فارغة، فصادفتك ظروف اقتصادية عالمية لتمرّ سنواتك بحمد سعر البترول و الغاز في بحبوحة مالية لا مثيل لها، و ها أنت تغادر السلطة، غصبا أو طواعية، و الخزائن فارغة كما وجدتها.
جئت السلطة التي هي الغواية و الهاوية، و بتآمر من الأحزاب الفاسدة، تم خرق الدستور بحجج واهية، و فتحت العهدات بعدد سنوات عمرك، و الأعمار بيد الله، فكانت الكارثة و بذلك عدنا إلى ثقافة عبادة الشخص، و أنتج نظامك ما يسمى ب”المخزن” الجزائري.
جئت السلطة في القرن الماضي، و قد كانت الأحزاب التي تأسست على قاعدة “فصل الدين عن السياسة”، كما سن على ذلك الدستور الذي تم انتهاكه، كانت هذه الأحزاب تتجذر شيئا فشيئا في العمل السياسي، فدخلها المال و الفساد فتحولت إلى آلة بين يديك.
و بعد إفساد الأحزاب امتدت يدك السيد الرئيس، لتفسد الشعب أو على الأقل قطاعات كثيرة منه، فلا الدعم الفلاحي المشبوه أنتج ثروة، و هي الأرض التي كانت قبل سنوات قادرة أن تغذي أوروبا بغلالها و خضرها و تمرها و عنبها، و مشاريع السكن التي تم إنجازها كطريق لشراء ذمم البسطاء من المحتاجين الذين لطالما عانوا قرحة السكن، و التي أسكتت كثيرا من الأصوات، هي مشاريع لا تحترم لا العمران و لا الأرض التي أقيمت عليها.
السيد الرئيس، نعم لقد تم إفساد قطاع كبير من الشعب من خزانة الدولة، فلا الأموال التي منحت للشباب كقروض كانت أموالا للاستثمار بعيد المدى، بل كانت عبارة عن عملية سياسية الهدف منها إسكات قطيع من شباب متوقع انفجاره في لحظة أو أخرى.
السيد الرئيس، جئت سدة الحكم في القرن الماضي و الإعلام المكتوب بصحة جيدة، إعلام نظيف أو قريب من النظافة، فأطلقت عليه “مال الإشهار” فسال لعاب الانتهازيين، فضاع الجيد و ظهر الرديء و استولى على الساحة، و ظهرت قنوات خاصة فقلنا، هي السماء انفتحت للجزائريين كي يروا أكثر و أجمل و أعمق، و إذا بهذه القنوات عبارة عن أكياس لجمع مال الإشهار، مقابل الصمت و التآمر على ذكاء الشعب، و العمل على تعميم الغباء باسم الدين تارة، و باسم الدروشة تارة أخرى، و باسم الصمت و التلفيق الأيديولوجي في حالات أخرى.
السيد الرئيس، أردت أن تصنع جزائر المؤسسات على أساس الطاعة لا على أساس القانون، فجاءت حسب رغبتك لا على شاكلة التاريخ، و حين مرضت أصبحت المؤسسات التي حرصت على صناعتها على مقاسك و ذوقك و نرجسيتك السياسية، أصبحت مريضة مثلك، عاجزة.
و حين عم المرض و تعمم الشلل في المؤسسات و في النظام، تحرك ما بقي من الشعب الذي لم يجرفه مال الفساد مال التسكيت، فخرج إلى الشارع.
السيد الرئيس، أنت الآن و النظام بأكمله أمام خيار وحيد، إما الانسحاب أو الخراب، و أعرف بأن من يتلذذ بعسل السلطة لا يمكنه أن يسلم بسهولة المشعل، الذي هو مشعل منطفئ أساسا، و لكن التاريخ القريب يذكرنا بحال بعض الأنظمة و بعض الزعماء الذين حاصرتهم الشعوب في أوروبا الشرقية، و في العالم العربي، و في شمال إفريقيا، فكانت نهايتهم فجائعية.
السيد الرئيس، انسحابك هو الباب الأخير، انسحابك هو التشريف الأخير الذي قد يقدمه لك هذا الشعب الذي سيخرج بعد ساعات.
السيد الرئيس، السلطة غواية كبرى، و قد سقطت فيها، حتى حافة الهاوية.
السيد الرئيس، السلطة هاوية عسلية، و قد قادتك إليها النرجسية السياسية العالية، و جرك إليها كثير من المخلوقات السياسية من حولك.
السيد الرئيس، جئت السلطة و أنت تقول لا أريد أن أكون ثلاثة أرباع رئيس، فلا تغادرها و أنت “شبح” رئيس.
و تمنياتي لك بالشفاء و للجزائر أيضا.
أمين الزاوي/ كاتب و أكاديمي