بقلم: حنان بركاني
حينما رأيت العنوان لأول مرة أكابيلا فكرت في أن الرواية هي محاولة لكشف صوت الحياة على حقيقته، وإما فهو محاولة لتجميل صوت آخر. فكرت في الجدال القائم بين قوى الخير والشر، ونزاع الذات البشرية الداخلي في السعي دائما للوصول إلى المثالية المفقودة، لكنني لم أستبعد في نظرتي الأولى أبدا وجود شخصيات تحب الموسيقى وتدرسها وتغني في الرواية.
أكابيلا: هكذا اختارت خولة حواسنية (كاتبة من ولاية سوق أهراس لها رواية أولى بعنوان حيث نبض قلبي) عنوان روايتها الثانية لتجعل المتلقي يتساءل هل يمكن للكاتب أن يكون مغنيا في إمكانه أن يستغني عن كل الآلات الموسيقى ويجمع بين الطبقات بمؤهلاته فقط؟ كيف يفعل الكاتب ذلك؟ هل الأكابيلا تنطبق على النص كنص؟ أو معناها معني بشخصيات الرواية؟ وأحداثها؟ وكيف تغامر كاتبة بعنوان من كلمة لتلعب بأفق التوقع وتضع القارئ أمام احتمالات عدة، لقراءة النص من العنوان. العنوان الذي يشكل عتبة أولى وأساسية قد تغري المتلقي، وقد تجعل لهفته للقراءة تنتهي قبل أن تبدأ حتى. تختار صورة غلافا في شكل لوحة تشكيلية عالمية، أين تُصنع مسافة بين العنوان أكابيلا ولوحة الغلاف، وما كتب على ظهر الغلاف من كلمات. على الرغم من أن اللوحة صورة جانبية امرأة مغمضة العينين بواسطة حزام يمتد ليلف شعرها من الخلف. تبدو ملامح المرأة هادئة في ثيابها ما يدل على أرستقراطية وهدوء تام وتبدو صلتها بالتاريخ جلية كأنها صورة لملكة من الملكات. خلفية اللوحة جاءت بألوان متناسقة وجميلة يتضح في شريط خاص بالموسيقى عليه شكل مفتاح. ما العلاقة بين العنوان النص العنوان؟
هذا ما تجيبنا عليه الفصول الخمس التي اختارتها الكاتبة جزء أول لقصتها، قصة البطلة ميسون تيتمت بعد موت والدها السلطان، تعيش مع والدتها كاترين أو المالطية كما اختارت الكاتبة أن تسميها على لسان أهل الحومة التي تسكن فيها بسيدي بوسعيد هذه المنطقة من تونس التي أخذت من حياة البطلة الراوية الكثير من الحب والاندهاش والذكريات، مع أختها عفاف، والأخ موسى. تبدأ أحداث الرواية من هذه الحومة التي يغلب عليها اللون الأزرق مع اللون الأبيض، بموت موسى من قبل أحد رجال الطالياني هذه الحادثة التي تزعزع نفسية ميسون وعفاف وتنمي في ذات كاترين العودة للوطن الأب الجزائر، تحديدا سكيكدة مسقط رأس السلطان، أين تبدأ حياة بنفس جديد مع عائلة أين تحب سكيكدة بسرعة مع سيف وعائلته المتفتحة ووالدته ووالده اللذين مقلا في الرواية ثنائيا مثاليا في الحب واحترام العشرة.
تحدث المفارقات في الرواية وينكشف سر الأكابيلا بدءا من قصة سيف مع صديقه يوسف، أين يسميان لعبة التطلع والتجسس على أفكار الآخرين أكابيلا. كان الأمر يثير فضول يوسف باعتباره طالب علم نفس، ويستهوي سيف لأنه يجعله خارقا ومميزا ويصل لأفكار الآخرين ورغباتهم قبل التلفظ بها، هنا تتحدث الكاتبة على لسان أبطالها عن مسقط رأسها بإسقاط أفكار أدبية وخيالية رائعة مستعينة بسرد الواقع التاريخي لمدينة مداوروش وما أخذته من حيز في الرواية وأفكار الأبطال، كما برعت في الحديث عن أوغستين وتاغست، عن قدسية أوغستين لدى المسيحين ومكانته، تقحم الكاتبة شخصية أخرى في صورة شبح ينقذ سيف من حادث يتعرض له، ويبقى يزوره ليطمئن إذا ما كان بخير حتى يكتشف أن سيف يمارس أكابيلا. جوناس شبح لمعمر فرنسي برع في الآثار وفن المعمار وأخذ اسمه نجاحا وشهرة بلغت نابليون الثالث الذي استدعاه لبناء بازيليك القديس أوغستين هذا النجاح والشهرة التي حظى بها جوناس جعلت صديقا له يقتله ويدفنه مكان بناء البازيليك الأرض نفسها التي كانت تنام فيها جثة تاغست الأمازيغية. بين فصل وآخر تقوم الكاتبة بوضح حدث كطُعم لتحافظ على فضول القارئ وتسيطر عليه. لتنتقل مرة أخرى في فصل آخر تجمع بين البطل والبطلة وتصف عواطفهم الداخلية والانجذاب المتبادل، بالحب الذي يكنه كل طرف للآخر دون اعتراف. يكون سيف سببا في كشف الحقيقة للبطلة وتجريد كاترين المالطية والأخ موسى من أثواب المثالية ليعود العنوان مرة أخرى أكابيلا. حديث ميسون مع الجازية هو الفصل الذي تلعب فيه الروائية دور منسق صوتي يفصل الصوت عن الحقيقة لتظهر الشخوص بنزعتها الشريرة، وبضعفها الأرضي وبأنانيتها التي يحكمها حب الذات والمحيطين بنا فقط لتتغير نظرة البطلة إلى أمها وتفقد ثقتها بها، كل هذا يدفع ميسون للتعلق أكثر بسيف هذا الأخير الذي يكون قد أدمن لعبة الأكابيلا في الوقت الذي يحاول صديقه الشبح مساعدته على العودة إلى حقيقته البشرية ويواصل حياته بشكل طبيعي يكون هو قد فقد قدرته على العودة، يتحول إلى جاثوم فقد السيطرة عليه، هذا الجاثوم نفسه الذي يتردد أكثر من مرة على البطلة ميسون لينجح في الأخير على إدخالها في غيبوبة تكتشف من خلالها سر الجاثوم وسيف.
تتوقف الكاتبة هنا وتترك تتمة القصة لجزء آخر تنكشف فيه أسرار أخرى.
أكابيلا رواية تدفع كل قارئ للتوقف في مراحل عدة ولطرح أسئلة عدة لكنها في كل مرة تقودنا إلى الإجابة عن سر هذا العنوان، صوت الحقيقة وصوت منمق أيهما سيصمد إلى الأخير؟
اختلقت الكاتبة أكثر من عقدة ولو بتفاوت درجات الخوف والقلق والفضول التي كانت تتركها في ذهن القارئ، خوف كاترين من الطالياني ورغبته في الحديث إلى ميسون؟
لماذا كانت البطلة منذ البدء تشعر أن الطالياني شخص طيب؟
خوف عفاف وميسون من الرحيل رسم صورة صامتة للبيت في سيدي بوسعيد، وعدم تأقلم البطلة ورغبتها في البقاء في غرفتها في سكيكدة.
لعبة الأكابيلا وانجراف سيف، عودة موسى في شكل شبح يعترض طريق سيف.
لقاء بين ميسون والجازية في حفل عيد الميلاد، ومشاعر الكره التي نمت في لحظة والغيض.
قلق العائلتين من حالة ميسون التي وصلت إليها وغياب سيف.
لحظة اللاعودة والتحول التام إلى جاثوم.
رواية مشوقة ورائعة جدا، كل حدث كان مدروس، ترابط رهيب.
أعجبتني الوقفات التاريخية، طريقة ربط التاريخ بالقصة والشخصيات المشهورة
أعيب فقط في الرواية الفصل الأول أين كان هناك وصف ممل ليوميات البطلة وللحومة وبطاقة فنية مفصلة عن كل اسم. لكن أنصح القارئ بمواصلة القراءة لأنه بداية من الفصل الثاني وقصة يوسف وجوناس لن يتوقف.
شكرا خولة على جميل هذه القصة
رأيي في رواية خولة حواسنية