وأنا جالسة بإحدى مقاهي العاصمة مؤخرا ، لفت انتباهي مشهد جعلني أسرح بعيدا وأتحسر كثيرا لما وصلنا إليه اليوم ، المشهد كان لطفل يقارب 7سنوات من العمر، عندما سأله أحد العاملين بالمقهى :ماذا تريد أن تعمل حين تصبح كبيرا؟ ،وقتها أجابه الطفل بكل ثقة ؛ (نحرقٰ) !!!
صورية أمالو
نعم طفل لا يملك أدنى خبرة في الحياة ،لم يدق مرارة البطالة بعد، لم يتعثر إلا من جراء اللعب بكرة القدم ، ولم يبكي إلا لأنه يريد قطعة حلوة !!!! اليوم هو وبعد هاته الخبرة بين دفاتر المدرسة واللعب وقطع الشوكولاتة يطمح وحتى يفكر بالهروب من البلد ! وهنا تحديدا يستوقفني موضوع فيما تعلق بظاهرة الهجرة الغير الشرعية بالبلد ؛وهو الجانب التربوي الأسري الذي تجاهلناه كثيرا وركزنا على أمور كثيرة تأتي في المرتبة الثانية .
اذا كانت ثقافة الهجرة الغير شرعية ،تغرس اليوم في عقول أطفالنا ، وتصبح حلما ومستقبلا وآمالا فهذه كارثة عظمى .
إذا الأب أو الأم في الجزائر يشجعا ابنيهما على ركوب قارب الموت ويعتبران هذا أمرا طبيعا ؛فهناك خلل وتناقض كبيرين ،
اليوم نتحدث عن مئات الآلاف من المهاجرين الغير الشرعيين وحتى منهم الموقوفين والعشرات من المفقودين ، والعدد مرشح للإرتفاع ، واذا كان سبب ذلك البطالة و فرص العمل القليلة وحتى المستوى المعيشي ،فإن الأسرة كذلك تتحمل الجزء الأكبر من هذه الفضيحة التي حلت ببلدنا .
لا يجب أن ننكر أو ندير ظهرنا إلى الوضع الإقتصادي الراهن وإعتمادنا على خطة إقتصادية أحادية ، ولم نستثمر في خيراتنا ولا حتى إعتمدنا على جذب الإستثمار الأجنبي في قطاعات حساسة ومهمة كالسياحة ،والزراعة على سبيل المثال ؛ وقمنا بتحسين مستوى اليد العاملة ، واتباع إستراتيجية اقتصادية تجعلنا ننافس دول أروبية وخليجية .
وبالرغم من كل هذا وذاك غير مسموح لنا أن نقتل برآة طفل و نشجعه على الموت ونصفق له لأنه سيجمع البعض من المال لكي يلقي بنفسه على البحر ، وأن ندمر تفكيره بالسلبيات و نصنع منه جيلا محطما، محدود الفكر ، نشغله بإهتمامات أكبر منه و نحذف من قاموسه أسلوب النجاح والتميز ، مع الآسف هذا ما نعيشه ، واقع مرير يقتل حلما في الرحم ولا يترك له المجال في أن يرى النور ولو قليلا ، فكيف لنا أن نخطو خطوة إلى الأمام اذا نواة المجتمع هي أول محفز على الرجوع إلى الوراء بآلاف الخطوات .
“الحراقة” مسؤولية الجميع وليست مسؤولية جهة معينة فمن العيب أن نلقي بمسؤوليتنا على غيرنا حتى لو كان غيرنا يتحمل الجزء منها.