للباحث والشاعر والروائي والناشر :إبراهيم تازغارت
لم يلجأ شيشناق إلى خلع الفرعون بسوسنس الثاني آخر ملوك الأسرة الحادية والعشرون بالقوة أو عن طريق انقلاب دموي لكنه بقى ينتظر موته بهدوء فاستغل تلك الفترة حيث قام بتوطيد مركزه العسكري والديني في الدولة وقد ساعده قربه من البلاط الفرعوني من الوقوف على حقيقة ما كان يجري في البلاد ومن ثم عرف كيف يشق طريقه للوصول إلى العرش إذ أنه أدرك بحسّه وذكائه منذ البداية أنه إذا أراد التحكم في هذه البلاد فما عليه إلا أن يكسب ود الشعب و ذلك بالحفاظ على مورثاته ومعتقداته الدينية التي كان يعتزّبها وساعده في سيطرته على هذا الجانب نفوذ عائلته الديني في البلاد، ذلك النفوذ الروحي الذي أثبتته النقوش المصرية القديمة بحيث أخبرتنا أن والد شيشناق الأول ورث عن أجداده رئاسة الكهنة في طيبة، وحمل لقب الكاهن الأعظم. فقرر أن يحكم قبضته على كهنوت المدن ، وهكذا استغل شيشناق هذه القوة الروحية التي كانت بحوزته وعند موت الفرعون بسوسنس الثاني تقدم واستولى على الحكم بهدوء ومن دون مقاومة من أحد، وأعلن قيام الأسرة الثانية والعشرين، وكان ذلك حوالي عام 940 قبل الميلاد.[1]
فبعد اعتلائه العرش بمساعدة سدنة معبد أمون والقادة العسكريين الذي كان أحدهم، بدأ شيشناق في إصلاح الحالة المزرية التي كانت تعرفها أرض مصر جراء ضعف العائلة الحاكمة قبله و التي رضخت لشروط القبائل العبرية التي كانت تتوسع في الشرق خاصة في عهد شاوول و داود.
و لعلّ ما ميّز حكم الملك الأمازيغي شيشناق الذي وحد تحت حكمه أرض مصر و تمازغا الشرقية هو هجومه على أرض يهوذا في عهد الملك رحبعام الذي خلف والده الملك والنبّي سليمان ودخوله منتصرا إلى القدس.
ولقد وردت هذه الحادثة في التّوراة في أخبار الأيام الثاني، الإصحاح 12 الفقرات 01-12 كما يلي :
١ » وَلَمَّا تَثَبَّتَتْ مَمْلَكَةُ رَحُبْعَامَ وَتَشَدَّدَتْ، تَرَكَ شَرِيعَةَ ٱلرَّبِّ هُوَ وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ. ٢ وَفِي ٱلسَّنَةِٱلْخَامِسَةِ لِلْمَلِكِ رَحُبْعَامَ صَعِدَ شِيشَقُ مَلِكُ مِصْرَ عَلَى أُورُشَلِيمَ، لِأَنَّهُمْ خَانُوا ٱلرَّبَّ، ٣ بِأَلْفٍ وَمِئَتَيْ مَرْكَبَةٍ وَسِتِّينَ أَلْفَ فَارِسٍ، وَلَمْ يَكُنْ عَدَدٌ لِلشَّعْبِ ٱلَّذِينَ جَاءُوا مَعَهُ مِنْ مِصْرَ: لُوبِيِّينَ وَسُكِّيِّينَ وَكُوشِيِّينَ. ٤ وَأَخَذَ ٱلْمُدُنَٱلْحَصِينَةَٱلَّتِي لِيَهُوذَا وَأَتَى إِلَى أُورُشَلِيمَ.
٥ فَجَاءَ شَمْعِيَا ٱلنَّبِيُّ إِلَى رَحُبْعَامَ وَرُؤَسَاءِ يَهُوذَا ٱلَّذِينَ ٱجْتَمَعُوا فِي أُورُشَلِيمَ مِنْ وَجْهِ شِيشَقَ، وَقَالَ لَهُمْ: «هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: أَنْتُمْ تَرَكْتُمُونِي وَأَنَا أَيْضًا تَرَكْتُكُمْ لِيَدِ شِيشَقَ». ٦ فَتَذَلَّلَ رُؤَسَاءُ إِسْرَائِيلَ وَٱلْمَلِكُ وَقَالُوا: «بَارٌّ هُوَ ٱلرَّبُّ». ٧ فَلَمَّا رَأَى ٱلرَّبُّ أَنَّهُمْ تَذَلَّلُوا، كَانَ كَلَامُ ٱلرَّبِّ إِلَى شَمْعِيَا قَائِلًا: «قَدْ تَذَلَّلُوا فَلَا أُهْلِكُهُمْ بَلْ أُعْطِيهِمْ قَلِيلًا مِنَ ٱلنَّجَاةِ، وَلَا يَنْصَبُّ غَضَبِي عَلَى أُورُشَلِيمَ بِيَدِ شِيشَقَ، ٨ لَكِنَّهُمْ يَكُونُونَ لَهُ عَبِيدًا وَيَعْلَمُونَ خِدْمَتِي وَخِدْمَةَ مَمَالِكِ ٱلْأَرَاضِي». ٩ فَصَعِدَ شِيشَقُ مَلِكُ مِصْرَ عَلَى أُورُشَلِيمَ وَأَخَذَ خَزَائِنَ بَيْتِ ٱلرَّبِّ وَخَزَائِنَ بَيْتِ ٱلْمَلِكِ، أَخَذَ ٱلْجَمِيعَ، وَأَخَذَ أَتْرَاسَ ٱلذَّهَب ِٱلَّتِي عَمِلَهَا سُلَيْمَانُ. ١٠ فَعَمِلَ ٱلْمَلِكُ رَحُبْعَامُ عِوَضًا عَنْهَا أَتْرَاسَ نُحَاسٍ وَسَلَّمَهَا إِلَى أَيْدِي رُؤَسَاءِ ٱلسُّعَاةِ ٱلْحَافِظِينَ بَابَ بَيْتِ ٱلْمَلِكِ. ١١ وَكَانَ إِذَا دَخَلَ ٱلْمَلِكُ بَيْتَ ٱلرَّبِّ يَأْتِي ٱلسُّعَاةُ وَيَحْمِلُونَهَا، ثُمَّ يُرْجِعُونَهَا إِلَى غُرْفَةِ ٱلسُّعَاةِ. ١٢ وَلَمَّا تَذَلَّلَ ٱرْتَدَّ عَنْهُ غَضَبُ ٱلرَّبِّ فَلَمْ يُهْلِكْهُ تَمَامًا. وَكَذَلِكَ كَانَ فِي يَهُوذَا أُمُورٌ حَسَنَةٌ. المتمعن في قراءة هذا النص من التوراة يدرك حقيقة أن شيشناق كان أداة من أدوات الله و أحد عباده الذين سخرهم لانجاز إراداته كما ذو القرنين و الخضر مثلا.
هذه الحادثة العظيمة وردت أيضا في الإنجيل مع ذكر الملك شيشناق.كما وقعت الإشارة إليها في القرآن الكريم وذلك في سورة الإسراء حيث وردت في الآيتين 4 و5 منها:وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4)فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5)
ولَئِن ذهب ابن كثير في تفسيره وبعض المفسّرين الآخرين إلى أنّ المُشار إليه في الآيتين هو نبوخذناصر ملك بابل فإنّنا يمكن أن نُخمّن أنّ المعني الحقيقي بما ورد في الآيتين هو شيشناق ولا أحد غيره.
لقد ذكر نبوخدناصر في التوراة، في الملوك الثاني و لكن هجومه على أورشليم كان لسبب دنيوي و هو تمرد صادقيا ملك يهوذا على حكمه : . ” كَانَ أَنَّ صِدْقِيَّا تَمَرَّدَ عَلَى مَلِكِ بَابِلَ”.
أما دخول شيشناق كما ذكر في النص التوراتي ، فكان لسبب أخر : لِأَنَّهُمْ خَانُوا ٱلرَّبَّ. هذا من جهة.
من جهة أخرى فشيشناق دخل أورشليم قبل نبوخذناصر بوقت ليس بقليل، أي مباشرة بعد موت الملك سليمان التي كانت معه علاقة طيبة رغم ما تقتضيه أمور الحكم من يقضة و مناورة دائمة.
قد يعترض البعض على هذا و هذا حقه المشروع و لكن إذا نحن سلّمنا بأنّ القرآن الكريم هو تتميمه وخلاصة لكلّ الكتب السماوية التي سبقته فإنّ الأمر يبدو جليّا وواضحا. فلا يمكن أن يذكر الله شيشناق في التوراة و الانجيل فيما يخص حادثة دخول بيت المقدس و يعني شخص أخر في القرءان الكريم. هذا من الا معقول.
الملاحظ أنّ الله سبحانه قد ذكر شيشناق باسمه في الكتب المقدسة القديمة منها و الجديدة وليس بصفته فرعونا متّسمًا بالجبروت والظّلم والكراهية خاصّة وأنّ شيشناق كان من الموحدين.
في الخلاصة، أقول أن كل الشعوب تحتاج إلى الأساطير المؤسسة و الشعوب الأمازيغية من حقها أن تمجد رجالها العظماء و أن تحكي عنهم و تعلم أبنائها أن يستلهموا منهم القيم الإنسانية الراقية المبنية على الحرية و الحقوق.
قد يعترض البعض و يبحث جاهدا لخلق شرخا بين يناير و صعود شيشناق إلى سدة الحكم في محاولة لهدم ما قام به عمار نٌقٌادي الذي أسس لهذه الروزنامة السنوية الأمازيغية و المناضلون القدامى للقضية من أمثال بسعود محند أعراب، طاووس عمروش، محمد أركون و أخرون.
هذا ليس جديد و لا هو بالمفاجئ.
لهذا أقول أن قصة الملك البطل شيشناق تأتي اليوم لترسم طريق الخلاص و البديل الاستراتيجي الذي يمكننا من تجاوز الثنائية القطبية التي يمثلها دعاة الدين بلا ثقافة من جهة و المدافعون عن الثقافة بلا روح من جهة أخرى و اللذين يرفضان كل محاولة للخروج من مأزق العدمية الهدامة للانسانية.
في هذا الاتجاه نأمل أن يكون يناير 2967 هو بداية لمشوار سيكون حتما عسيرا و طويلا و لحظة مميزة لفتح ورشة التأسيس لتاريخ أمازيغي و شمال افريقي يكون ركيزة لانطلاقة ثقافية جديدة.
[1] شيشناق. تاليف سليم سوهالي. سلسلة أجدادنا الأمازيغ