بقلم :الأستاذ قسول جلول إمام مسجد القدس حيدرة

كثير من الناس لا ينقصُهم مالُُ ولا بنون، فجميع الإمكانيات متوفرة ولكن لا يوفًقهم الله تعالى في أداء فريضة الحج واستجابة نداء إبراهيم عليه السلام لكن بعض الناس اختارهم الله ليغفر لهم وجدوا أنفسهم ضمن قائمة الحجاج في هذه السنة 2018م فاختارهم الله لزيارته ولضيافته نقول لهؤلاء الذين أنابوا إلى ربِّهم، واستجابوا للنداء، وانطلقوا من ديارهم، وتخلصوا من معوقات الدنيا، وهرعوا إلى الله وحده، بعد أن تلقوا الدعوة منه، الدعوة التي آثرهم الله بها، وألقاها إلى قلوبهم وأفئدتهم.. فتحركوا شوقًا ومحبة واستجابةً لأمر الله، فانبعثوا ملبين دعوة خالقهم وسيدهم – لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك.. وهذه الدعوة شرف وتكريم عظيم. إن الحاج قادم على رب البيت لا على البيت، والحجاج هم ضيوف الله وزوار بيته.. قال الله – تعالى- لسيدنا إبراهيم -عليه السلام- بعد أن أقام البيت وبناه: ((وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍٍ))الآية سورة الحج ونادى في الناس بالحج. ولقد ذهب عجبهم حين كشف لهم إيمانهم السر في هذا، فإذا كانت قدرة البشر محدودة، وجهدهم محصور، ومقيد بطاقاتهم؛ فإن قدرة الله لا حد لها، ولا راد لفضله، وإذا كان صوت المنادي والمؤذن لا يمتد أكثر من كيلومترات قليلة، فما هو إلا سبب يستر قدرة الله التي ينفذ بها ما يريد؛ ولذلك فقد رووا أن سيدنا إبراهيم – عليه السلام- حين طلب منه أن ينادي تعجب، وقال: يا رب، وأنَّى يبلغ صوتي في الآفاق؟.. فأجابه الله… عليك أن تؤذن، وعليَّ أن أبلغ الدعوة مَن أشاء، ولو في أطراف الأرض! نعم، لقد وعده الله أن يلبي الناس دعوته؛ فيقبلون على البيت من كل فج عميق، ولا يزال وعد الله يتحقق منذ بُنِيَ البيت إلى اليوم وإلى الغد، ولا تزال هناك قلوب وأفئدة تهوي إلى البيت الحرام، وتحن إليه، منهم الغني القادر، والفقير المعدم الذي يسعى على قدميه شوقًا إلى لقاء ربه.. إن الملايين يأتون من كل فجاج الأرض؛ تلبيةً لدعوة الله التي نادى بها الخليل ـ عليه السلام-، فالمسلمون على موعد كريم في جوار بيت أكرم الأكرمين، لا يرد مَن قصد بابه، ووقف في رحابه؛ بل يعطيه ويجيره. والحجاج والمعتمرون وفد الله، دعاهم؛ فلبوا، وسألوه؛ فأعطاهم.وأختارهم ليغفر لهم وفي الحديث: “ما راح مسلم في سبيل الله مجاهدًا، أو حاجًّا، مهللاً، أو ملبيًّا، إلا غربت الشمس بذنوبه وخرج منها”. أيها الحاج أختارك الله ليغفر لك فهذا هو موسم الحج قد أظلكم بظلال الأمن والأمان من الأرض المباركة التي أهدت إلى العالم أعظم رسالة وأصدق راية، وفيها المناجاة، وتحلو الطاعة، ويسري نور الإيمان بين الجوانح، ويشعر المسلم أنه فوق عالَم البشر، يجنح مع الملائكة الكرام؛ فالذنب مغفور والسعي مشكور، وكل خطوة يخطوها يكتب له ملائكة الرحمة حسنة، ويضعون عنه بها سيئة. أيها الحاج أختارك الله ليغفر لك وأنتَ تلبِّي راجيًا، وتسعى محبًّا وطائعًا، وتطوف مذعنًا ومشتاقًا، وترمي مهللاً، وتصعد مكبرًا؛ فيجيبك القوي القادر: لبيك عبدي وسعديك والخير بين يديك. أيها الحاج أختارك الله ليغفر لك عليك بإخلاص النية لله- تعالى-: فلا تقصد في حجك رياء ولا سمعة، ولا ليقال: حج فلان، ولا ليطلق عليك لقب الحاج.. قال تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) “البينة: 5”. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) “متفق عليه”. أيها الحاج أختارك الله ليغفر لك فبادر إلى التوبة النصوح: وهي التوبة الناصحة الخالصة التي تأتي على جميع الذنوب؛ ، وأن تتحلل من المظالم؛ فذلك أرجى لقبول حجك، ورفعة درجاتك، ومغفرة سيئاتك، بل وتبديلها حسنات. أيها الحاج أختارك الله ليغفر لك عليك بالتفقه في أحكام الحج: ولو على سبيل الإجمال؛ وما يفيدك في معرفة أحكام الحج، وأن تسأل عما يشكل عليه أيها الحاج أختارك الله ليغفر لك فأ حرص على ملاطفة أصحابك، وإدخال السرور عليهم خصوصاً الضعفة والنساء.وتحمل أذاهم أيها الحاج أختارك الله ليغفر لك فاختار النفقة الطيبة من المال الحلال، حتى يقبل حجك ودعاؤك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً) “رواه مسلم”. أيها الحاج اختارك الله ليغفر لك فالزوم السكينة، واستعمال الرفق: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس، عليكم بالسكينة، فإن البر ليس بالإيضاع) “رواه البخاري ومسلم”. أيها الحاج أختارك الله ليغفر لك احرص على راحة الحجاج ، والحذر من أذيتهم: وأن تبتعد عن كل مافيه أذى لهم، من رفع للصوت، ، أو أن تزاحمهم، أو تضيق عليهم، أو أن تؤذيهم. وأن تحب لإخوانك الحجاج مات لنفسك، وأن تكره لهم ما تكرهه لنفسه، فتحمل أذاهم، واصبر على بعض ما يصدر منهم من زحام، أو تصرفات مقصودة أو غير مقصودة؛ فالإنسان الكريم يصبر على أذى ضيوفه حرصاً على إكرامهم؛ فكيف بضيوف ربه؟ إن أكرمهم أولى ثم أولى، وإنه لدليل على إجلال الله، وتوقيره، وإنه لدليل على كمال العقل، ومتانة الدين؛ لأنه لا أحسن من درء الإساءة بالإحسان.وتجنب فضول الكلام، و سيئه، والبعد عن الغيبة والنميمة، والسخرية بالناس، وبالحذر من كثرة المزاح أو الإسفاف فيه، وبصيانة اللسان من السب والشتم.وبذلك يسلم قلبه من التشوش، ويسلم حجك من النقص، مع لزوم الرفق، واللين، والحكمة، والموعظة الحسنة، والرحمة بالمدعوين والتطلف بهم، واستشعار عظمة الزمان والمكان: فذلك يبعث الحاج لأداء نسكه بخضوع لله، وإجلاله له – عز وجل-: (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) “الحج: 32”.وأن يغتنم وقته بما يقربه إلى الله -عز وجل- من ذكر، أو دعاء، أو قراءة للقرآن، وذلك في أي مكان من تلك البقاع المباركة؛ فذلك سبب لانشراح ك ومضاعفة أجرك، و ألا يكون همك أن تقضي نسكه: بل عليك أن تستشعر عظمة ما تقوم به، وأن يكون قلبك منطوياً على تعظيم أمر الله، وأن يحرص على أن يتلذذ بما يقوم به؛ فذلك من أعظم ما يعينك على انشراح صدره، وإتيانه بالنسك على الوجه الأكمل. تقبل الله من المسلمين حجهم، وأعانهم على أداء مناسكهم، وأصلح ذات بينهم، وجمع على الحق كلمتهم، ونصرهم على عدوه وعدوهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *