بقلم:عياش يحياوي
أتوقع أن الهوية ليست ثابتة، إنها كينونة متحركة وعامرة بالحياة…إنها تتغيّر وهي ثابتة وثابتة وهي تتغير… المتغيّر فيها يتحوّل جزء منه إلى ثبات إلى حين، والثابت فيها يتحول جزء منه إلى متغير إلى حين… بعض عناصر هوية جدي يسقط في الطريق ويدخل صندوق التراث، وبعض هوية جدي يبقى معي ويرثه أبنائي وأحفادي…
لا توجد هوية حية معزولة عن الهويّات المجاورة لها، لا توجد هوية يمكن أن تواصل حياتها من دون أن تتغذّى من هويات أخرى… الهوية تشبه الكرة الأرضية تبدو ثابتة، لكنها تغلي بحِمَمٍ عظيمة في داخلها، الجبال فيها تبدو ثابتة لكنها تتغيّر كل يوم بفعل عمليات الحتّ واختلاف درجات الحرارة بين الليل والنهار وبفعل التقادم ومطالب المستقبل الجديدة.
لذلك كله من يعتقد أن الهويّة تشبه زيرا مملوءا بالذهب، وعلينا المحافظة عليه بدفنه تحت الأرض لحمايته من السرقة ومن التأثر بالعالم الخارجي… من يعتقد ذلك يكون فعلا في حاجة إلى الرأفة والشفقة بسبب جهله.
كل ما يُعزل عن العالم الخارجي فلا يُؤثّر ولا يتأثر يضمر ويموت… بعضنا يسقط في الطريق.. بعضنا يواصل الطريق معنا، بعضنا يصبح جزءًا من بعض غيرنا.. بعض غيرنا يصبح جزءا من بعضنا.. وكلّنا هو جزء من كل غيرنا، وكل غيرنا هو جزء من كلنا…هكذا تتحرّك الهوية، تتطور، وتواصل طريقها…
لهذا أبتسم بيني وبين نفسي حين أسمع من يتكلّمون خائفين من الغزو الفكري والثقافي…!!! يا عزيزي لا يمكنك أن تواصل الحياة وأنت في لياقتك الفكرية والنفسية الكاملة من دون أن يتم غزوك فكريا….
إلتفت فقط إلى ملابسك وأثاث بيتك..قارن بينها وبين ملابس وأثاث والدك وجدّك…ثم قارن بين لسانك ولسان والدك ولسان جدك…هل تعلم أن جدك سيغضب منك كثيرا إذا عاد إلى الحياة وسيقول لك: لقد خنت هوية أجدادك…إنك تتغيّر من دون أن تشعر..
لهذه كله.. لن تكون قويّا ومحصّنا وقادرا على مواصلة الطريق من دون حوار يومي عميق وخفي وظاهر بين هوية الأخر وهويّتك….. بل بين هويتك والهويّات الأخرى…