بقلم:حسان زهار
بقدر المتعة والروعة التي تخلقها مشاهدة حلقات مسلسل ضخم ولا مثيل له تقريبا في الدراما الاسلامية، وفي السينما التي تتناول التاريخ الاسلامي المشرق، مثل مسلسل “قيامة أرطغرل”، بقدر ما نشعر كجزائريين بنوع من الألم، وبغصة تعتمل في الحلق، من الوضعية المأساوية للسينما الجزائرية عموما، والسينما التي تتناول قضايا التاريخ والثورة على وجه الخصوص، حيث يظهر الفرق الشاسع بين رؤيتين مختلفتين تماما، الأولى تتحرك وفق امتلاك خطة واضحة لتجسيد مشروع مجتمع يستند إلى الاسلام والتاريخ كدعامتين أساسيتين، والثانية لا تملك أي رؤية، وهي تسير في الفراغ وسط ظلام دامس.
في الجانب المشرق من المعادلة، غير الأتراك من سياستهم في ترويج مسلسلات العهر والمجون التي فرضتها من قبل الأوساط العلمانية داخل الدولة والوسط الفني، وقرروا قبل سنوات قليلة فقط، خوض معركة إعادة الوعي للأمة، عبر إنتاج مسلسلات وأفلام هادفة، تحتفي بالتاريخ الاسلامي المشرق، بغرض إعادة إحياء أمجاد الأمة، والتخلص من التوجه الماسوني، في إغراق المسلمين بحكايات الحب والغرام الهابط، على أن يكون هذا التوجه تحت رعاية قيادة سياسية راشدة، تجسدت بوضوح في شخص أردوغان، وبدأت ملامحه ليس في مسلسل “قيامة أرطغرل” وحسب، الذي نجح نجاحا باهرا، وإنما في أعمال أخرى لا تقل روعة، مثل مسلسل “المجهولون”، “السلطان عبد الحميد”، وحتى مسلسلات “فيلينتا” و”سد البحر” وغيرها.
أما في الجانب المعتم من الصورة، فقد بقيت السينما العربية تراوح داخل نفس المشهد البائس، من أعمال ساقطة في الغالب، أما ما يسمى السينما الجزائرية، التي تعنينا اكثر من غيرها، فقد انتهت الى مأزق خطير، ليس من ناحية رداءة المنتج فقط، وإنما لانعدام أي إرادة سياسية حقيقية، في العودة ولو إلى وضع ما بعد الاستقلال، في انتاج الأفلام الثورية، بغية تنشئة الأجيال الضائعة على قيم الحرية وحب الوطن على الأقل، على الرغم من الأموال الطائلة التي ترصدها الجهات الوصية، لإنتاج أفلام تاريخية تنتهي ميزانياتها في غالب الأحيان، إلى جيوب الذئاب المتربصة.
صحيح أن “قيامة أرطغرل” الذي يحدث كل هذا الضجيج حوله، كلف أموالا ضخمة، بملايين الدولارات، غير أن ما رصدته الدولة الجزائرية، لأفلام تاريخية ضخمة أيضا، ليس بالقليل، ومع ذلك لم نشاهد لقطة واحدة من تلك الأعمال، وإذا ما صدقت التسريبات التي يتم تداولها في الوسط الثقافي، فإن فيلم الأمير عبد القادر يكون قد استهلك ما لا يقل عن 150 مليار سنتيم، وفيلم العربي بن مهيدي 70 مليارا ، دون أن يظهر لهما أي صورة أو خبر، دون أن ننسى فيلم حمدان خوجة، الذي قبر قبل أن يولد، وفيلم بن باديس الذي قيل أنه كلف ما لا يقل عن 30 مليارا وولد مشوها.
الفرق إذن كبير ومثير للشجن، وها هو “قيامة أرطغرل”، والد المؤسس الأول للامبراطورية العثمانية، يستقطب لوحده أكثر من 200 مليون مشاهدة في الوطن العربي، يقف فيها الجمهور الجزائري الذواق في مقدمة الشعوب العربية إلى جانب السعوديين والمصريين التي تتابعه بشغف كبير، وقد بعث لوحده رائحة الخلافة الاسلامية من مرقدها، وأعاد في نفسيات الملايين من المسلمين والعرب، الروح الاسلامية المعتزة بقرآنها، وأخمد جذوة نيران الانبهار بالآخر، بينما لا يزال “الأمير عبد القادر”، مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، حبيس أدراج لعبة الكواليس وصراعات “الأدلجة” الفارغة، وقد راح تمثال في ساحة الأمير، يرثي حال أمة، فقدت البوصلة حتى ضاعت هويتها.
إن إقدام قناة “الشروق” العامة، على بث مسلسل أرطغرل، تعد إحدى أهم المحاولات الجادة في الإشارة إلى هذا الخلل في منظومتنا السينمائية، إن كان لدينا منظومة بالطبع، كما أنها محاولة راقية لمقاومة منظومة التمييع الإعلامي، التي تقودها بعض القنوات ذات التوجه المعروف، على غرار قناة أم بي سي، ما يجعل من هذه الالتفاتة الجميلة، عنوانا آخر وإضافيا لريادة هذه القناة وطنيا وحتى عربيا، في انتظار أن تواكب هذه الصحوة التي تقودها الشروق، صحوة على مستوى الانتاج الوطني، ولو من باب المحاكاة، لإنجاز أفلام ومسلسلات لها الحد الأدنى من هذه الاحترافية الفنية، والحد الأدنى من الدعم والرعاية السياسية.
حسان زهار