من المظاهر الخطيرة والتي تهدد المجتمع؛ وتظهر للمتتبع هي أن الوازع الديني والرقابة الذاتية أصبحت قليلة أو منعدمة في جميع مناحي الحياة .
ومن خلال هذه المقال نريد أن انصح وأوجه إلى التخلي عن هذه الممارسات التي نهى عنها ديننا الحنيف وهي التزوير والغش والتصريح الكاذب وشهادة الزو وأن حفظ أموال الناس من المقاصد الكبرى و أن الله تعالى أنزل القرآن الكريم، ليحقق للعباد مصالحهم، ويحفظ لهم حياتهم، وعقولهم وأعراضهم، وأموالهم وسائر حقوقهم، التي تتوقف عليها حياتهم واستقرارهم، وتحريم أكل ااموال الناس بالتصريحات الكاذبة أو بالغش والتزوير وبغير حق، يقول الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل)، بل إن الله تعالى أمرنا بتحري الكسب الطيب، والمال الحلال، ونهانا عن اتباع خطوات الشيطان، يقول الله عز وجل: ( يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) .
و أن من الخطوات الشيطانية الاحتيال على الناس لسلب حقوقهم، أو للحصول على أموالهم، بطرق ملتوية، ظاهرها عقد مشروع، ومآلها فعل ممنوع، فقد يظهر المحتال عقدا مباحا يريد به محرما، وصولا إلى فعل ما حرم الله، واستباحة محظوراته، أو إسقاط واجب، أو دفع حق، ونحو ذلك، وهو دأب المفسدين، الذين يغالبون الخير مكرا واحتيالا، ويسعون في الأرض علوا واختيالا، ويمارسون الغش والتزوير، ويوقعون الناس في الاحتيال، وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمثال هؤلاء الناس فقال: «وأهل النار خمسة وعدّ منهم الخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك». وقال صلى الله عليه وسلم:« إن هذا المال خضرة حلوة، من أصابه بحقه بورك له فيه، ورب متخوض فيما شاءت به نفسه من مال الله ورسوله ليس له يوم القيامة إلا النار»لَا يَجْهَدُ لَهُمْ، وَيَنْصَحُ، إِلَّا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنَّةَ)
التَّزْوِيرُ فِي الْبُيُوعِ بِإِخْفَاءِ عُيُوبِ السِّلْعَةِ وَتَزْيِينِهَا وَتَحْسِينِهَا؛ لإِظْهَارِهَا بِشَكْلٍ مَقْبُولٍ تَرْغِيبًا فِيهَا، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا فقال: (ما هذا يا صاحب الطعام؟)، قال أصابته السماء يا رسول الله، قال: (أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش فليس مني).
والتزوير في المكاييل والأوزان وغش الناس وخداعهم بها، قال تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ* لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} [المطففين:
والتزوير في البينات بِمُحَاكَاةِ خَطِّ الْقَاضِي أَوْ تَزْوِيرِ تَوْقِيعِهِ أَوْ شَهَادَةِ الشُّهُودِ فِي سِجِلاَّتِ الْقَضَاءِ بِمَا يَسْلُبُ الْحُقُوقَ مِنْ أَصْحَابِهَا، ويقع أيضا في تزوير الأختام والتواقيع، وكذا الغش في الوثائق والسجلات، ومحاكاة خطوط الآخرين وتوقيعاتهم بقصد الخداع والكذب.
عَنْ أَبِي بكرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثا، الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور أو قول الزور) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا، فجلس فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت.
فتزوير الأوراق الرسمية والوثائق من أنواع التزوير المحرم.
ومنه التزوير الإعلامي والإلكتروني الحاصل في أيامنا حيث يسرق فلان عمل فلان وينسبه له. فعن عائشة، أن امرأة قالت: يا رسول الله أقول إن زوجي أعطاني ما لم يعطني فقال عليه الصلاة والسلام: (المتشبع بما لم يعط، كلابس ثوبي زور).لأنها تغمس صاحبها في الإثم، ومِنْ ثَمَّ في النار، والإتيان باليمين الغموس حرام، ومن الكبائر؛ لما فيه من الجرأة العظيمة على الله.
وقد عدها الإمام ابن حجر الهيتمي من الكبائر.
وقال ابن عبد البر في التمهيد: “لا كفارة فيها لعظم إثمها”.
عن عبد الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم، هو عليها فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان) فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا}
كَمَا يَقَعُ التَّزْوِيرُ فِي النِّكَاحِ بِأَنْ يَكْتُمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَيْبًا فِيهِ عَنِ الآْخَرِ فيكتشفه بعد الزواج. وهذا كله محرم وداخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من غش فليس منا).
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان). [ 8 ]
ومن التزوير: تغيير حدود الأرض وضمُّ ما ليس منها إليها، قال صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من غير منار الأرض) [ 9 ]
عقوبة المزوِّر
إن المزور كالغاصب ما ليس له بحق، والسارق ما ليس له بملك، وكالكاذب يقول بغير صدق، إن المزور قد جمع كل صفات المكر والخديعة، واتصف بكل رذيلة وشنيعة، خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين، المزور أعماله باطلة، وعباداته مردودة، وأدعيته غير مسموعة، صدق فيه قول الصادق الأمين: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).
و أن المسلم الحق بعيداً عن التزوير بعد المشرق عن المغرب، لأن المسلم يرى أن التزوير جريمة فظيعة، وخلة شنيعة، وصفة وضيعة، المسلم الحق يعيش حياته واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار، لأنه يعلم أن الزرق بيد الله، والحياة والممات بيد الله، فممن يخاف حتى يزور ومن يرجو حتى يغش، إن
عقوبة التزوير في الدنيا التعزير بما يراه الحاكم، كأي جريمة ليس لها عقوبة مقدرة شرعاً، فإذا ثبت أنه تعمد التزوير، فيعزر بما يراه الحاكم من تشهير أو ضرب أو حبس، أو إلى غير ذلك؛ فقد روي: أن معن بن زياد عمل خاتما على نقش خاتم بيت المال فأخذ مالا، فضربه عمر رضي الله عنه مائة جلدة، وحبسه، ثم ضربه مائة أخرى، ثم ثالثة، ثم نفاه.
اللهم اجعلنا من الصادقين لا المزورين، ومن الأمناء لا الغشاشين، واحشرنا في زمرة الصادق الأمين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
بقلم الاستاذ قسول حلول
باحث وإمام مسجد القدس حيدرة