أسفرت الزيارة التي أدها الرئيس عبد المجيد تبون إلى الصين عن توقيع أكثر من 19 اتفاقية الشراكة ذات طابع اقتصادي وهي في مجملها خارج قطاع المحروقات.
وأطلق على هذه الاتفاقيات بالشراكة الاستراتيجية، حيث شدد كل من الرئيسين عبد المجيد تبون ونظيره الصيني شي جين بينغ على الحاجة إلى تعاون سياسي وأمني وثيق.
وذكر البيان المشترك أن الصين والجزائر اتفقتا على العمل سويا فيما يتعلق بمحاربة التنظيمات الإرهابية المتطرفة داخل حدودهما، ودعم الدول الأخرى مثل الصومال والسودان في جهودهما الأمنية.
في هذ الصدد يقول المحلل السياسي الجيلالي كرايس في تصريح للصباح الجديد ، إن الجزائر تبحث عن بدائل وعن شركاء اقتصاديين وفق المرحلة الجديدة ووفق الآفاق التي تضعها الجزائر، وتريد من خلالها أن تتحرر من الريع النفطي، وأن يكون لديها اقتصاد منتج وقادر على المنافسة، وأيضا يمكنها من التحرك اقليميا ودوليا واتخاذ مواقف أكثر تحرراً في القضايا الدولية، مضيفاً أن الجزائر تريد أن تعزز علاقتها مع مُوحد البريكس (الصين).
وكان من المنتظر أن يؤدي الرئيس تبون زيارة إلى فرنسا. قبل أن يتم تأجيلها وقالت مصادر أخرى أنه تم إلغاؤها، فيما تحدث الحاكم الأول في البلاد خلال لقاء دوري مع الصحافة المحلية أن الزيارة مازالت قائمة وبحاجة إلى ترتيب الأمور في باريس، لكن على الأرجح يستبعد مراقبون أن تتم هذه الزيارة نظراً لتوتر العلاقات الدبلوماسية البلدين في كل مرة نتيجة عدة أسباب من بينها ملف الذاكرة.
وكانت وكالة الأنباء الجزائرية قد وصفت قناة فرانس 24 الفرنسية بـ “الحثالة” بسبب تغطية الحرائق التي نشبت في البلاد وتسليطها الضوء على ولايتين يقع في منطقة القبائل.
يقول أستاذ جامعة تيسمسيلت الجيلالي كرايس، إن التحرك شرقاً يزعج الغرب الذي يريد التضييق على محور موسكو بكين، لكن الظروف الدولية – حسبه – ليست في صالحه، بل في صالح القوى الصاعدة والتي تعتبر الجزائر صديق تقليدي لها.
يؤكد كرايس أن العلاقات الصينية – الجزائرية تقليدية وتاريخية ومبنية على الاحترام المتبادل، وكل ما يجري حالياً من تعاون مشترك ما هو إلا استكمالاً لتعزيزها وتعميقها واعطائها الصفة الاستراتيجية، حيث تبحث الجزائر عن شركاء تستطيع من خلالهم خلق تنمية حقيقة في المجال الصناعي، والعلمي والزراعي، وهذا ما يمكن أن توفره الصين.
• سعي جزائري نحو البريكــس
أما بخصوص ملف البريكس الذي أخذ حيزاً كبيراً على الساحة السياسية والإعلامية في الجزائر منذ فترة، يقول محدثنا، أن الجزائر تسعى إلى الانضمام إلى تكتل البريكس الذي يحتاج إلى دعم ومساندة من طرف الدول الفاعلة فيه، ولذلك يمكن القول أن هذه الزيارة تأتي في إطار التحضير لانضمام الجزائر للبريكس، وبذلك هي تسعى إلى توطيد علاقتها مع أقوى الاقتصاديين داخل التكتل في إشارة إلى موسكو، وبالتالي يشدد ذات المتحدث على أن الزيارة ذات أهداف اقتصادية محض في ظل عالم متقلب وتحكمه الأزمات وعلى كل دولة أن تختار المحور الذي تقف إلى جانبه، مشيراً إلى أن المرحلة القادمة ستكون أكثر توتراً ولا مكان فيها لأنصاف الحلول فكل دولة عليها أن تختار أصدقائها الحقيقين وأن تقف معهم وتتحمل تبعات هذا الخيار وهذه الصداقة.
وعن تداعيات هذه الزيارة يؤكد كرايس بالقول: “بطبيعة الحال سيكون لها تداعيات على الجزائر وعلى أي دولة في المرحلة التي يمر بها العالم، أن تتخذ موقف لصالح طرف من أطراف النزاع، هناك حالة من الاصطفاف، وسعي من طرف القوى الكبرى إلى التنافس حول كسب التأييد وكسب حلفاء جدد، لأن الحرب الأوكرانية يبدو أنها ستطول أكثر مما كان متوقعاً وستكون أكثر تعقيداً في المرحلة القادمة.
ويبلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والجزائر حوالي 7 مليارات دولار. ففي نهاية 2022، أعلنت الجزائر توقيع خطة تعاون استراتيجي مع الصين تمتد إلى عام 2026، وتشمل الاقتصاد والطاقة والفضاء والمجالات الثقافية.
• موسكــو الحليف التقليدي
تربط الجزائر بروسيا علاقات تقليدية تاريخية قوية ومتينة، وتعززت هذه العلاقات أكثر منذ اعتلاء الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون كرسي المرادية أواخر 2019، أين شهدت العلاقات الثنائية بين البلدين تغييراً في بوصلة النظام الجزائري، عبر انفتاحها أكثر مع الشريك التقليدي في مجالات خارج التعاون العسكري، رغم ذلك حافظت الجزائر على توازن علاقتها مع الغرب.
وظل الحوار بين البلدين نشطا لاسيما في قضايا دولية وإقليمية، وتترجمها الاتصالات الهاتفية المتكررة بين الرئيس تبون ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، وكانت هذه الاتصالات بمثابة فرصة لتبادل الرؤى حول الوضع الدولي وملفات إقليمية إلى جانب آفاق التعاون الطاقوي.
وتواصل ذلك التعاون على أعلى المستويات، إلى غاية إعلان موعد زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى موسكو، حيث شرع في 13 حزيران/ جوان الجاري في زيارة دولة تدوم 3 أيام، بدعوة من رئيس فيدرالية روسيا، فلاديمير بوتين، في إطار تعزيز التعاون بين البلدين الصديقين.” وشارك الرئيس تبون خلال هذه الزيارة في أشغال المنتدى الاقتصادي الدولي بسان بطرسبورغ الروسية”، الذي عُقد بين 14 إلى 17 حزيران الجاري، بمشاركة أكثر من 1700 من كبار قادة ومديري الشركات والمؤسسات الاقتصادية الدولية من 33 دولة.
وسبق الإعلان عن زيارة الرئيس تبون إلى موسكو، زيارات لمسؤولين روس إلى الجزائر، آخرها لقاء جمع مدير المصلحة الفيدرالية للتعاون العسكري والتقني الروسي، ديمتري شوغاييف، بقائد أركان الجيش الفريق أول السعيد شنقريحة. حيث تناول اللقاء “حالة تقدّم التعاون العسكري والتقني بين البلدين، إلى جانب المسائل ذات الاهتمام المشترك”، دون تقديم أية تفاصيل أخرى.
وقبلها، عُقد منتدى الأعمال الجزائري الروسي، الذي تضمن مباحثات بين شركات جزائرية من القطاعين العمومي والخاص، مع 15 شركة روسية تعمل في مجالات متعددة تخص قطاعات الطاقة وتصنيع الطائرات وصناعة القطارات والعربات ومحركات القطارات، والطاقة والزراعة والحبوب والحليب والأمن السيبراني، لبحث فرص التعاون.
البحث عن دورٍ جديد في النظام الدولي
في هذا الصدد، يقول المحلل السياسي الجزائري، الأستاذ الجيلالي كرايس، أن التغيرات الدولية التي قلبت موازين القوى وأعادت رسم خارطة العلاقات الدولية، دفعت بالجزائر وبحكم علاقاتها التاريخية مع روسيا إلى البحث عن لعب دورٍ جديد في النظام الدولي والإقليمي، من خلال تعزيز عمقها ونفوذها الإقليمي، عبر تقوية مكانتها السياسية والدبلوماسية في محيطيها الجهوي والقاري، والتوجه من خلال تجسير المحور الروسي – الصيني نحو وضع دولي يتيح ويفتح لها الكثير من الخيارات والفرص.
وأشار ذات المتحدث، أن المحادثات بين البلدين لم تكن محصورةً في ملف واحد، بل هناك عدة ملفات، ومن أبرزها إحياء الاتفاق الاستراتيجي الموقع سنة 2001، وتعزيز الشراكة في مختلف المجالات اقتصادياً وعلمياً وصناعياً وتجارياً. حيث تطمح الجزائر من خلال هذه الزيارة الجزائر إلى اكتساب تقنيات التكنولوجيا العصرية وتوطينها، ولهذا لا يوجد أفضل من الاستفادة من الخبرة الروسية في هذا المجال.
• التعاون العسكري خارج أجندة الزيارة
بحسب المعطيات الراهنة، فإنه ولأول مرة تم تحييد ملف التعاون العسكري بين البلدين عن أجندة الزيارة، مقابل التركيز على القضايا الاستراتيجية والتعاون الاقتصادي والتجارب وملفات أخرى تخص الصحة والتعليم العالي والثقافة والاتصال. إلا أن هذا لا يمنع الجانب الجزائري البحث مع نظيره الروسي في ملفات التعاون التي تخص المجال العسكري حيث تولي قيادة الجيش في الجزائر اهتماماً بالغاً بقضايا الأمن السيبراني، وحماية منظومتها الأمنية المتعلقة بالتكنولوجيا العسكرية ومواقع المؤسسات السيادية الحساسة ضد المخاطر والتهديدات السيبرانية التي تعرضت لها بكثرة في الآونة الأخيرة، فبحسب بيانات رسمية، فإن شركة “كاسبريسكي” الروسية المختصة في التأمين السيبراني، كانت قد أبلغت الجزائر بإحباط 95 ألف هجمة إلكترونية ضد البلاد، وحملات إلكترونية يتم التركيز فيها على استهداف مؤسسات الدولة، على رأسها مؤسسة الجيش.
وإلى جانب قوتها العسكرية تعمل الجزائر على تطوير مجالات أخرى كالصناعة والزراعة، المجال الرقمي والتقنيات العالية والاتصالات السلكية واللاسلكية والبنية التحتية للنقل، بهدف خلق تنمية حقيقية وذلك من خلال الاعتماد والاستفادة من الخبرة الروسية قناعةً منها بتنويع قائمة شركائها الاقتصاديين، والتحرر من الضغط الغربي.
وعلى المستوى الدبلوماسي، يؤكد المحلل كرايس، أن بلاده تطمح للعب دورٍ أكبر في الساحة الدولية، فالرئيس تبون كان قد لمح في عديد المرات استعداد بلاده للقيام بدور الوساطة في الصراع الروسي الأوكراني، إضافةً إلى ذلك وضع الجزائر نصب أعينها على المحور الجديد، حيث تسعى إلى دعم حليفها الروسي من خلال اعتمادها عليه في اقناع الدول التي لا يزال موقفها غير واضح من الانضمام الرسمي للجزائر إلى تكتل البريكس (الهند والبرازيل).
وفي سياق مرتبط، قال السفير الروسي في الجزائر فاليري شوفاييف، إن “موسكو تنتظر من الجزائر أن تكون طرفاً قوياً في الثورة الجيوسياسية الحاصلة في العالم والنظام الدولي، بما لها من مقومات وإمكانات وثقل سياسي في منطقتها”. ولهذا فإن هذا التعاون يدل على الانتعاش الحقيقي في العلاقة بين البلدين، وتأسيس لمرحلة جديدة تكون فيها الجزائر الحليف الموثوق والصديق للكرملين.
ويختم محدثنا بالقول، أن توقيت مثل هكذا زيارة هو إرادة في ترقية هذا التفاعل الجاد والنوعي بين الدولتين ويأتي في توقيت عالمي جد حساس ومتوتر (الأزمة في أوكرانيا، صدمة الطاقة).
الطاهر سهايلية