كتبه :حبيب مونسي
في مثل هذه اللحظات العصيبة التي تجعل الإنسان وجها لوجه أمام نفسه، ينظر إليها كما ينظر في المرآة.
فيرى وجها شاحبا قد رسم عليه الخوف هالته السوداء، وحوَّط العينين بأخرى أشدّ قتامة ويأسا.
وجعل نفس الإنسان تطير فرقا من مصير يُقبل عليه. يراه يتجسد بين يديه ساعة بعد أخرى، من خلال ما تنشره وسائل الإعلام: عن أعداد تتهاوى يحصدها الموت في كل مكان. ساعتها يسأل نفسه. من هو الله؟ هذا الذي خلق فسوى، وقدر فهدى.. خلق إذ أوجد الأشياء من عدم. وسواها حيث جعلها في غاية الإبداع والكمال في خِلْقَتها. ثم قدَّرها حين حدَّد أحجامها وهيئاتها، من الدقيق المتناهي الصغر، إلى الجليل المتناهي الكبر. ثم هدى كل واحد منها إلى مُهمته التي من أجلها خُلق. فمن هو الله؟ حدث الإمام أحمد : عن أبي بن كعب : أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد ، أنسب لنا ربك . فأنزل الله : ” قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) وحين نقرأ السورة بتمعن نجد لها هندسة عجيبة في شكلها وبنائها. إذ هي تتكون من أربع آيات، تتقاطع مثنى مثنى. وكأن الذي يريد أن يرى فيها حقيقة الله، و”نسَبَه” كما طلب المشركون من قبل. عليه أن يضع الآيات في تعامدها هذا ليدرك أسرارها.
ف : (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) تتعامد مع قوله تعالى: (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) لأن الواحدية تقتضي التفرد الذي ينزهه عن أن يكون مولودا وعن أن لا يكون والدا. لأن ذلك من قبيل الطارئ الحادث الذي يجري عليه قانون الزوال والفناء، والتبدل والتغير. فالله “أحد” تمنع من إيراد ما يمكن أن يتوهمه السامع من إمكان حدوث غيره. أما قوله تعالى: (اللَّهُ الصَّمَدُ (2) فتتعامد مع قوله تعالى: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) لأن “الصمد” كما تقول اللغة، هو: الثابت المستمر، الذي لا يعتريه تحول ولا تبدل ولا توقف. وهو المقصودُ لقضاءِ الحاجاتِ، وهو المُصْمَتُ الذي لا جَوْفَ له: أي لا فراغ فيه أو حوله. لأنه الأول والآخر، والظاهر والباطن. وهذه الصفة فيه، يجب أن تتعامد مع قوله تعالى: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) لأنه يتعذر أن يشاركه فيها أحد من خلقه أبدا. وكانت كلمة “كفؤ” تعني النظير في الهيئات، والمماثل في الأفعال.
ذلك هو الله عز وجل.. الذي يجب أن نتوجه إليه تضرعا وخيفة.