بقلم:أحمد طه الغندور
على الرغم من الشعور الأخوي المتبادل بين فلسطين وسائر الدول العربية قاطبة، إلا أن العلاقة الجزائرية ـ الفلسطينية تعتبر أكثر تميزاً، كيف لا فتاريخهما سطره دم الشهداء، وثقافتهما صيغت بفكر الثوار حتى أضح القلب الجزائري ينبض بالجسد الفلسطيني، والعكس صحيح.
الجزائر التي احتضنت الثورة الفلسطينية في بداية البدايات وأسبغت عليها دعمها المادي والمعنوي؛ كيف لها ألا تؤثر في الفكر والوجدان الفلسطيني، ليتطور الحب إلى “وحدة الذات” فلا فرق بين الجزائر والقدس، ولا فرق بين ثائر في جبال نابلس أو وهران. من “وحدة الذات” التي أعادت صياغة شعبين، جاء إعلام ثائر حر؛ ليعُلي الصوت بالدفاع عن زمرة الأحرار في الآمة ألا وهم “الأسرى الفلسطينيين” في سجون أبشع احتلال في العالم، “الاحتلال الإسرائيلي”، فتظافرت العقول والقلوب والجهود الجزائرية ـ الفلسطينية منذ العام 2009، عام “القدس عاصمة الثقافة العربية” فكان اللقاء الأول بين “سفارة فلسطين” وجريدة الشعب الجزائرية لتنطلق الشرارة الأولى لـ”ثورة ثقافية” من عاصمة الأحرار دفاعاً عن الأسرى، وتستمر إلى يومنا هذا حيث يُشارك بها عشرات الصحف والجرائد والمواقع الجزائرية التي فتحت الباب على مصراعيه للكتاب الفلسطينيين والجزائريين نصرة للأسرى. ولا شك بأن هذا الزخم الإعلامي الكبير قد شكّل رافعة هامة لقضايا الأسرى ليس على التراب الجزائري أو الفلسطيني فحسب، فالفضاء السيبراني الرحب، جعل لهذه القضية العادلة أبعاداً متعددة. ولعل أهم هذه الأبعاد، ما يتعلق بالأسرى أنفسهم، فهذا الزخم والتأييد يجعل “الأسير” وعائلته شامخيّن في مواجهة “السجان” مما يبعث فيه روح الآمل ويشحذ همته عالياً في مواجهة الظلم والتعذيب، وأثبت للعالم أجمع صدق المقولة التي عشقتها فلسطين بأن “الكف تناطح المخرز”
في حين أن “الخصم، السجان، في ظل هذا النشر الإعلامي” لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، يجعله قلقاً، خائفاً، متشككاً يُدرك مدى ضآلته في مواجهة الأبطال، وبأنه مهما طال الزمن سيكون “مطارد ومطلوب للعدالة”.فلا شيء يعدل قيمة الدعم المعنوي الهائل الذي حازه الأسرى نتيجة الدعم الإعلامي. من ناحية أخرى، لا شك بأن النشر الإعلامي لقضايا الأسرى يُشكل نوعاً من التوثيق القانوني لـ”جرائم الاحتلال” المرتكبة في حق الأسرى وذويهم، وهذا النوع من الجرائم لا يسقط بالتقادم. من ناحية أخرى، فقد كانت المبادرة الجزائرية، بمثابة “البوتقة” التي أوجدت العديد من المبادرات الأخرى الداعمة للأسرى وحقوقهم، فعلى سبيل المثال هناك “الوقفات الاحتجاجية الأسبوعية” أمام مكاتب “الصليب الأحمر الدولي” المطالبة بتحرير الأسرى ومنحهم حقوقهم المفروضة دولياً أثناء فترة الاعتقال. هذا النوع من “التحريض الثقافي” الناتج عن “الدعم الإعلامي” الكبير الصادر عن الصحافة الجزائرية، ساهم في حل العديد من قضايا الأسرى، ودفع العديد من المثقفين للقيام بالدور المطلوب منهم نصرة للأسرى، فنجد المحامي، والشاعر، والطبيب، والفنان وحتى الطالب البسيط يساهم بدوره إكراماً للأسرى. ولا شك بأن هذه “الثورة الإعلامية” كان لها أثرها على مؤسسات الدولة في كلاً من الجزائر وفلسطين، وهذا ما نلمسه في عمل وزارتي الخارجية؛ وخاصة على ساحة الأمم المتحدة من التنسيق بشأن القضايا القومية. من المؤكد، بأن هذه “الثورة” التي ابتدأت شرارتها في الجزائر والتي باتت تؤتي أُكلها، سيكون لها أثرها في العديد من الساحات العربية والدولية، في قضايا الأسرى وفي العديد من القضايا الأخرى الخاصة بالشأن الفلسطيني. فأني أكاد أجزم بأن هذه البادرة المباركة كان وسيكون لها حظها في المساهمة بمشاركات أكبر ليس فقط من أجل “تحرير الأسرى “بل من أجل تحرير فلسطين”، إن نشر هذه الثقافة الثائرة المطالبة بالحقوق، والفاضحة لجرائم الاحتلال لها أثرها الحاضر والمستقبلي في أساليب النضال ضد الاحتلال والاستعمار. فحملات المقاطعة التي تجوب العالم، تكاد تكون إحدى دروس هذه الثقافة! لا مجال للإطالة، فشهادتي لدور الإعلامي الجزائري الحر في الدفاع عن الأسرى الفلسطينيين، هي “شهادة مجروحة”، فكأني أشهد لنفسي! والجزائر في نفس كل فلسطيني؛ كفلسطين هي أغلى من نفسه. ومهما كانت درجة التهذيب لا يمكن أن تُعبر عن الشكر والتقدير للإعلام الجزائري الحر الثائر المثقف، ولا للشعب الجزائري المناضل الأبي، ولا القيادة الحكيمة التي انتصرت لفلسطين “ظالمة أو مظلومة”.دمتم لفلسطين ذخراً.