يوم الثورة يتكلم ..
يا يـوم! لك في نفوسنا السمة التي لا تمحى، والذكرى التي لا تنسى ، فكن من أية سنة شئت فأنت يوم 08 ماي 45 وكفى، وكل ما لك علينا من دين أن نحيي ذكراك وكل ما علينـا مـن واجـب أن نـدون تـاريخـك فـي القلوب لئـلا
يمسحـه النسيـان مـن النفـوس.
فإن المتأمل في هذه الذكرى ، والناظر في تأريخها؛ يجد من الدروس والعبر الكثير وأن التاريخ يتكلم فهو ساحة الأحداث والذكريات، وميدان والوقائع،وسجل توثيقات الأفعال وما وقع لأبائنا وأمهاتنا وأبنائنا في وطنهم من
ظلم وإبادة جرائم مصحوبة بالانتقام والتشفي والهمجية،هي أكبر من جرائم الحرب ،فتذكيرها والتذكر بها واجب شرعي وضرورة اجتماعية .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : “إنِّي نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ
الْقُبُورِ فَزُورُوهَا، فَإِنَّ فِيهَا عِبْرَةً، وَلا تَقُولُوا مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ”
قد يقول القارئ الكريم ما علاقة حديث النبي صلى الله عليه وسلم بزيارة المتحف التاريخي لأ نه رمز لمقبرة الشهداء…. وأنه للاعتبار،والمقصود بالزيارة انتفاع الزائر بذكر الموت والموتى،والترحم على الشهداءوأن مآلهم إلى جنة، وأنهم استشهدوا دفاعا عن أرضهم وعرضهم ودينهم
والترحم عليهم من حقهم علينا …
وهذة الوقفة تنفع الشهيد والإحسان إليه بالسلام عليه، والدعاء والاستغفار له،لأن تذكرنا هذه الأيام من تاريخنا يهيئ لنا من أمرنا رشدا فعدوا الأمس
هو نفسه اليوم (كرونا نموذجا) لكن يختلف في الأسلوب فدراسة لذكرى 08 ماي 45 دراسة نقدية واعية لا تكتفي بنقل مخزوننا التراثي التاريخي ، ولكنها تنفذ إلى عمق حركة هذا التاريخ لتبحث عن وقائعه ورموزه ومواقعه، ومضامينه ومحتوياته، وتحلل أحداثه وفق معايير المنطق والعقل، وتدرسه وتأخد منه العضات والعبر،وهذا ما يؤكد عليه القرآن الكريم في ضرورة أن نتعاطى مع التاريخ من موقعالعبرة والدرس والعظة والاستذكار الإيجابي الفعال، لتغدو –هذه الذكرى 08 ماي 1945 مدرسةً نعرف نتائجها في حجم التجربة، ولنصنع التاريخ في مدرسة
نحرك نتائجها في المستقبل.. يقول تعالى: ﴿فَاقْصُصِ الْقَصَصَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾(الأعراف: من الآية 176
.. وهذا أيضاً ما تؤكد عليه نصوص السنة من خلال ضرورة “عقل الخبر عقل رعاية لا عقل رواية،الذين غادرونا بأجسادهم وبقوا معنا أحياء بنضالهم ومبادئهم ورسالتهم،بيقدموا لنا في كل يوم جديد ما يمكن أن يبقى حياً ونابضاً بالحيويةوالنشاط.
في علاقتنا بالله وبالحياة في تلك الذكريات من الوقوف المتأني أمامها ليستخلص منها العبرة التيتبقى، والفكرة التي تمتد مع امتداد الحياة والإنسان. ونحن عندما نتحدث تاريخياً عن ذكرى 08 ماي 1945م فإننا نريد أن يدخل إلى العمق الروحي والفكري للرمز والقيمة والمفهوم، وأن نستقدم من التاريخ الماضي للشخصية
التاريخية المدروسة التي ابتعدنا عنها كثيراً في حساب الزمن – كل المبادئ والقيم الروحية والعملية،فهي صورة مضيئة ومشرقة للنضال للوطنية ومعرفة الدفاع وألأسلوب المتجدد للأعداء لذلك إننا نعتقد ، من خلال وعينا لطبيعة الظروف الموضوعية والمتغيراتالخطيرة الراهنة ،أنه قد بات من الواجب علينا مراجعة كثير من حساباتناالثقافية، وموروثاتنا الفكرية، خصوصاً ما يتعلق منها بضرورة تنقيةأجوائنا التاريخية من كل هذا التراكم الكمي والتضخم الذاتي النخبوي، علىضوء فهمنا للطريقة الواقعية التي أسميها بطريقة “الثابت الموضوعي التي
تتميز بالخصائص التاليةوعرفنا أسباب هذه الذكرى والآلام والأحزان التي خلفتها نتعلم منها أن التاريخ ذاكرة الشعوب ، فكان منهم من قُتِلَ في سبيل الله
– تبارك وتعالى – شهيداً، ومنهم من انقلب بأجره وما نال من الغنيمةمستشعرين قول الله – تبارك وتعالى – حيث قال مواسياً لهم ومسلياً،ومعزياً بأن من مات في سبيل الله – تبارك وتعالى – فقد اتخذه الله –
تبارك وتعالى – واصطفاه على الآخرين فقال سبحانه: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}
إن التعبير العجيب في هذه الآية عن المعنى العميق بأن هؤلاء الشهداء قداختارهم الله – تبارك وتعالى – من بين المجاهدين، واتخذهم لنفسه شهداء؛فليست خسارة ولا هزيمة أن يستشهد الإنسان في سبيل الله – تبارك وتعالى فإنما ذلك اختيار له وانتقاء من بين المجاهدين، وتكريم واختصاص،ليستخلصهم الله – تعالى – لنفسه، ويخصهم بقربه، فأعْظِم بها من نعمة يتمناها كثير من الناس
فإن مجازر 08 ماي 45 لا تمحى من عقول الجزائريين ، رسخت في قلوبالجزائريين من أجل أن تبقـى كلمـة « الله أكبر» تدوي من مآذن مساجدنا ومن أجل أن تبقى الحرية منتشرة في ربوع هذا الوطن المفدى؛
لقـد جـاء الحـق و زهـق البـاطـل إن البـاطـل كـان زهـوقـا» ولأنهم يدركون مفهوم الشهادة فهم يقومون بإحيائه في القلوب وبعثه في النفوس، وما ثبت عنه صلوات الله وسلامه عليه في صحيح السنة الشريفة من بيان محكم وإيضاح دقيق لفضل الشهادة ومنازل الشهداء في دار الكرامة عند مليك مقتدرفي الطليعة من ذلك بيان صفة حياة الشهداء عند ربهم ، فعن مروان أنه قال
سألنا عبد الله عن هذه الآية « ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل اللهأمواتا بل احياء عند ربهم يرزقون )) آل عمران الآية 169..
فقال: أما إنا قد سألنا…عن ذلك رسول الله…فقال أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلي تلك
القناديل» رواه مسلم
يا يـوم! لك في نفوسنا السمة التي لا تمحى، والذكرى التي لا تنسى ، فكنمن أية سنة شئت فأنت يوم 08 ماي 45 وكفى، وكل ما لك علينا من دين أن نحييذكراك وكل ما علينـا مـن واجـب أن نـدون تـاريخـك فـي القلوب لئـلا
يمسحـه النسيـان مـن النفـوس.
بقلم الأستاذ /قسول جلول
باحث وإمام مسجد القدس حيدرة