يكتسي الثامن من مارس هذه السنة صبغة خاصة في المغرب، فهو لا يرتبط فقط بالاحتفال بعيد المرأة، بل أيضا بتقديم مذكرات السياسي المغربي البارز، والوزير الأول السابق، عبد الرحمان اليوسفي.
مذكرات اليوسفي التي جمعها رفيق دربه، المحامي والسياسي والحقوقي مبارك بودرقة، تحمل عنوان “أحاديث في ما جرى“، وتسلط الضوء على جوانب من حياة الوزير الأول السابق، من طفولته إلى اعتزاله للسياسة، مرورا بمعارضته للنظام وقيادته لحكومة التناوب التوافقي سنة 1998.
اجتمعتُ بجطو قبل تشكيل حكومة التناوب:
ورد في المذكرات أنه، في بداية 1998، وزير المالية حينها، إدريس جطو، اتصل باليوسفي وأخبره أن الملك الحسن الثاني كلفه بلقائه، بناء على العرض الذي قدمه جطو للملك حول الأوضاع الاقتصادية الراهنة للمغرب، وآفاق المستقبل الذي ينتظر البلاد.
وفي 4 فبراير 1998، استُقبل اليوسفي من قبل الحسن الثاني، وعرض عليه قيادة الحكومة لأربع سنوات، وهذا ما وافق عليه اليوسفي، كما طلب الملك من القيادي الاتحادي أخذ الوقت الكافي لتشكيل حكومته، وعبر عن استعداده للقاء معه كلما دعت الضرورة إلى ذلك.
2. البصري خالف توجيه الحسن الثاني بدعم حكومتي:
يعترف اليوسفي في مذكراته أنه من الصعب تصوير ما يطلق عليه “جيوب المقاومة” للإصلاح بالمغرب تصويرا دقيقا، لكنه يقول إن “الجميع يدرك أن من تمكن من بناء مصالح أثناء العهود السابقة أو لا يزال، ويرى في التغيير والتجديد تهديدا لمركزه الاقتصادي أو مركزه السياسي، سيكون منخرطا في بنية هذه الجيوب”، حسبه.
وفي سياق حديثه عن “جيوب المقاومة”، يتحدث اليوسفي عن وزارة الداخلية التي يقول إنها كانت مهيمنة على هندسة الانتخابات في تلك الفترة من تاريخ المغرب.
“منذ اختيار الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية نهج النضال الديمقراطي، والمشاركة في جميع الاستحقاقات المحلية والتشريعية، كان إدريس البصري يهيمن على كل ما أطلق عليه ‘أم الوزارات’ أي وزارة الداخلية التي كانت لها اليد الطولى في تزوير الانتخابات، وفي صنع أحزاب إدارية قبل أي استحقاق لتحتل المراتب الأولى فيه”، يردف اليوسفي في مذكراته.
ويشير اليوسفي في المذكرات أنه رغم التعليمات التي أُعطيت للبصري من طرف الحسن الثاني، بعد تعيينه وزيرا أول، بضرورة تقديمه واجب الدعم من أجل إنجاح تجربة حكومة التناوب، إلا أن البصري استمر في السير عكس توجهات الحكومة التي كان يقودها اليوسفي، لأن “الطبع يغلب التطبع”، يقول الوزير الأول السابق.
3. أجهزة تنصت كانت تتجسس علي:
من أبرز التفاصيل التي كشفتها مذكرات عبد الرحمان لأول مرة، هو تعرض الوزير الأول السابق للتجسس، واكتشافه لعدد من أدوات التنصف في إحدى المكاتب التي كان يخصصها لإجراء مفاوضات تشكيل حكومته.
تورد المذكرات هذا الأمر ذاكرة: “عندما بدأت الاستشارات الأولى لتكوين حكومة التناوب التوافقي، وفر لي الإخوان في الحزب شقة في حي أكدال بالرباط، لعقد اللقاءات الأولى المتعلقة بالمشاورات، بعد ذلك بمدة، سرعان ما سنكتشف أنه تم زرع أجهزة للتجسس، وأخرى لتسجيل محتوى هذه المشاورات داخل الشقة، وبالنتيجة تم التخلي عنها واللجوء إلى أماكن أخرى متعددة لنفس الغرض”.
4. هذه كواليس مغادرتي الحكومة:
جرت الانتخابات التشريعية يوم 27 سبتمبر 2002، وكانت أولى الانتخابات في عهد الملك محمد السادس، وهي الأولى التي تشرف عليها حكومة التناوب التوافقي.
في هذه الانتخابات، احتل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المركز الأول، والتقى بعدها اليوسفي بالملك محمد السادس، وعرض عليه تقديم استقالته من الوزارة الأولى حتى يتمكن الملك من تعيين الوزير الأول الذي سيتولى تدبير المرحلة القادمة، لكن الملك فضل عدم تقديم الاستقالة حينها.
وفي التاسع من أكتوبر 2002، ترأس الملك مجلسا وزاريا بمدينة مراكش، كان هو آخر مجلس وزاري لحكومة التناوب، وبعد المجلس استقبل اليوسفي من قبل الملك، وأخبره أنه قرر تعيين إدريس جطو على رأس الوزارة الأولى.
رد فعل اليوسفي، حسب المذكرات، كان شكر الملك، وتأكيده على أن دستور 1996 يمنحه حق تعيين من يشاء وزيرا أول، “لكن المنهجية الديمقراطية تقضي بتعيين الوزير الأول من الحزب الذي احتل المرتبة الأولى في عدد المقاعد البرلمانية، كما أسفرت عنها الانتخابات التشريعية الأخيرة، وهو حزب الاتحاد”، يتابع اليوسفي.
5. رغم مغادرة الحكومة بقيت علاقتي بالملك مستمرة:
يقول عبد الرحمان اليوسفي أن حبل التواصل استمر بين الملك واليوسفي، حتى عندما قدم الوزير الأول السابق استقالته واعتزاله نهائيا العمل الحزبي والنشاط السياسي.
“بعث لي جلالته برسالة شخصية عبر فيها عن مشاعره تجاه ما أسديته لبلادي طيلة مساري السياسي”، يضيف اليوسفي، كاشفا أن الملك محمد السادس كان يستدعيه للمشاركة في أفراح العائلة الملكية، أو بعض اللقاءات الرسمية، وفي بعض الحالات مع عائلته الصغيرة.