بقلم:ناصر جابي

جرت العادة في الجزائر، أن يهون المسؤولون السياسيون، من الانتخابات الرئاسية، مدعين أن وقتها لم يحن بعد، وأنه لابد من انتظار سنة 2019، للحديث عن الانتخابات الرئاسية وليس قبلها، بل إن من المسؤولين الحزبيين من منع «مناضليه» من الخوض في هذا الأمر، قبل وقته، كما فعل الأمين العام لجبهة التحرير، الذي خالف رأيه هذا بسرعة وبدأ في الحديث المباح حول الانتخابات الرئاسية ومرشحيها المحتملين، بل الفائز بها، الذي لن يكون حسبه إلا من جبهة التحرير.

معلنا في التصريح نفسه أنه الوحيد الذي يعرف من سيكون على رأس الجزائر في 2019، مصرحا، بأن الله هو الوحيد الذي يشاركه في هذه المعلومة السياسية المهمة! موقف غريب من الانتخابات الرئاسية، يجد تفسيره في غرابة النظام السياسي الجزائري نفسه، وانتخاباته الرئاسية المقبلة، التي تؤكد كثير من المؤشرات ان بوتفليقة عبد العزيز، الرئيس الحالي سيكون مرشحها والفائز بها في ابريل 2019، رغم وضعه الصحي المتدهور. عدة مؤشرات، يمكن أن نعرضها للدفاع عن هذا الرأي، من بينها ما هو متعلق بالاتجاهات الثقيلة كثقافة الرئيس السياسية، ونظرته الى نفسه والجزائر. فالرئيس بوتفليقة الذي سينهي عهدته الرئاسية الرابعة في ربيع 2019 لا يتصور نفسه خارج السلطة، وهو على قيد الحياة ولو لدقيقة واحدة، فقد جرب الرئيس ذلك، بعد وفاة بومدين، في بداية الثمانينيات وكاد ان يدفع الثمن غاليا، لهذا الإبعاد عن مركز السلطة. فترة طويلة، عاشها بوتفليقة كمأساة شخصية وعائلية قبل العودة للحكم في 1999.

تجربة لن يسمح بوتفليقة بتكرارها مرة ثانية وهو رئيس جمهورية، بوتفليقة الذي يؤمن أنه ولد ليحكم الجزائر. المصالح الشللية ذات الطابع الجهوي الواضح، لن تسمح للرئيس من جهة أخرى، بالابتعاد عن مركز القرار الأول في الجزائر حتى وهو مريض، وغير قادر عمليا على أداء مهامه الرئاسية، بعد أن أوصل الرئيس بوتفليقة الممارسات الجهوية إلى حدودها القصوى في الجزائر، خلال عهداته الرئاسية الأربع. في وقت، زاد فيه الريع وكثر عدد المستفيدين منه، الذين لن يفرطوا في مصالحهم الكثيرة، بسهولة وسيدافعون عنها بشراسة.

مؤشرات كثيرة هذه الأيام، توحي بأن القرار اتخذ لاستمرار الرئيس بوتفليقة، على رأس السلطة، بعد أن تم إبعاد إمكانية التوريث، عن طريق الأخ. فكرة يبدو أنها لم تجد الكثير من المؤيدين، على مستوى أصحاب القرار الفاعلين، ما صعب من إمكانية تمريرها كسيناريو ممكن. بوتفليقة الذي لم تتحسن وضعيته الصحية، منذ 2012، قادر حسب مقاييس التسيير السياسي الحالي داخل النظام السياسي الجزائري المريض، ان يترشح ويفوز، حتى لو لم يقم بحملة ولم يتفوه بجملة واحدة، طول الحملة الانتخابية، ولم يحضر أي اجتماع انتخابي، فقد جرب ذلك في 2014 وفاز، فما يمنعه من عدم تكرار السيناريو في 2019؟

حملة انتخابية بدأت هذه الأيام، كان قرار الاعتراف بالناير كعيد وطني (رأس السنة الامازيغية في 12 يناير) من بين أهم قراراتها، توجه به بوتفليقة نحو منطق القبائل المتحركة سياسيا. قرارات أخرى، اجتماعية واقتصادية من خلال سياسة السكن، توجه بها بوتفليقة في الوقت نفسه، نحو سكان المدن والعاصمة تحديدا، كبؤرة سياسية ثانية متحركة، لطلب ودها السياسي، كعربون قبول، بعهدته الخامسة. فقد عرف بوتفليقة، بحسه السياسي، أن عليه، ضمان، سكوت منطقة القبائل، حتى لو كانت قناعته السياسية والفكرية العميقة التي عبر عنها بداية عهدته، لا تقره فيما قرره. زيادة بالطبع على اعتبارات أخرى تفسر قرار ترسيم 12 يناير كعيد وطني، كان من بينها بدون شك سحب البساط من التيار الانفصالي بالمنطقة.

ما لم يكن في حسابات بوتفليقة السياسية، تدهور القدرات المالية للدولة، منذ سنتين التي كانت تسمح لها بشراء السلم الاجتماعي، عن طريق سياسة اجتماعية سخية (السكن الاجتماعي. القروض للشباب…. الخ). وضع حتّم عليه الاستعانة «بخبرة» وزيره الأول الحالي، لمدة شهور، لن تطول بكل تأكيد، بعد أن استطاع أن يمرر قانون المالية الجديد وبدأت علامات تحسن أسعار النفط دوليا تلوح في الأفق.

فبوتفليقة لن يسمح لأحمد أويحيى أن يكون، زين العابدين بن علي في الجزائر، لو استمر بالقرب منه، وهو ما سيؤدي الى الاستعانة برئيس وزراء جديد، بدون طموحات رئاسية، في القريب العاجل، إذا سار هذا السيناريو، كما هو مخطط له. فأويحيى يملك الكثير من شروط القوة التي لن تكون لصالحه، للبقاء على رأس الحكومة، في هذا الظرف الانتخابي الحساس كرئاسته لحزب سياسي، حاضر مؤسساتيا، وتجربة تسييره سياسيا طويلة على رأس الحكومة، منذ 1995، زيادة بالطبع على طموح رئاسي واضح، «يشمه»، من يملك الطموح نفسه كبوتفليقة، اشتغل معه لسنين وجربه، في كل الوضعيات، أكدت له هذا الطموح لدى سي احمد. زيادة بالطبع على عامل موضوعي آخر، يتمثل في مرض الرئيس وعجزه عن القيام بمهامه الرئاسية اليومية، ما يجعل الوزير الأول، مهما كانت شخصيته وطموحه، يظهر ويبرز كرجل سياسي، مؤهل لاحتلال أعلى المواقع، بما فيها رئاسة الجمهورية، كما كان الحال مع عبد المجيد تبون، الذي أقيل، أسابيع من منصبه، بعد أن ظهرت علامات توحي بأنه ممكن، أن يطمع في أكثر مما كان مبرمجا له. هو الذي جيء به لمنصب الوزارة الأولى للاستفادة من سمعة مشروع السكن الاجتماعي الذي سيره، لمدة طويلة، كوزير للسكن والعمران. فما بالك بشخصية سياسية قوية وذات تجربة مثل أويحيى، لن تكون صالحة بكل تأكيد، لتسيير سنة الحملة الانتخابية، بقرارات قد تفسد الود الشعبي المطلوب لغاية ربيع 2019؟

كل المؤشرات السياسية، لمن يعرف ثقافة التسيير السياسي للنظام الجزائري وموازين القوى داخله، تقول إن مدة صلاحية أويحيى السياسية قد تنتهي بسرعة، فالحزم والتشدد والاستعداء للمحيط التي يوصف بها، ليست مطلوبة خلال سنة الحملة الانتخابية هذه التي تعيشها الجزائر بداية من 2018، لتمرير عهدة خامسة لرجل مريض، داخل نظام سياسي مريض وغير قادر على إصلاح نفسه، بالطرق المتعارف عليها كالانتخابات والتداول السلمي على السلطة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *