بقلم:ناصر جابي

تعيش المنطقة المغاربية على وقع حراك اجتماعي كبير هذه الأيام، كما تجسد ذلك في تونس، الأسبوع الماضي التي عرفت خروج مظاهرات شعبية اتسمت بنوع من العنف وأشكال التعبير الغاضب الأخرى، هو الأول من نوعه بهذا الحجم، منذ التغيير الحاصل في 2011.
فقد تحرك الشارع للمطالبة بإعادة النظر في قانون المالية الجديد 2018 على وقع أزمة اقتصادية تدفع ثمنها يوميا الفئات الاجتماعية الشعبية، وجزء كبير من الفئات الوسطى التي تضررت قدرتها الشرائية بشكل واضح، خلال فترة ما بعد الثورة. في وقت زاد فيه الفساد وعدد الفاسدين ولم ينقص، كما توهم الحالمون. وضع اقتصادي يفسر ظهور أصوات كثيرة مناديه بتغييرات جوهرية على الخيارات الاقتصادية، لما بعد الثورة، التي لم تكن دائما لصالح الفئات الشعبية، التي تدفع بهذا الشكل ثمنا غاليا لحرية التعبير والحرية التي استعادتها بعد التغيير السياسي في تونس.
المغرب من جهته لم يهدأ فيه الحراك تماما في الشمال، حتى عادت إليه مرة أخرى الحركات الشعبية الاحتجاجية، بعد أحداث جرادة العمالية، في مناجم الشمال. حالة مغربية تحول فيها الحراك الشعبي إلى ثابت وليس متغيرا منذ سنوات. رغم الضعف الذي اعترى التعبيرات النقابية والحزبية لهذا الحراك. عكس الحالة التونسية التي ما زالت فيها الأحزاب والنقابات أكثر حضورا، كما هو الحال مع الاتحاد التونسي للشغل، الذي يحتل في المشهد السياسي لما بعد الثورة، موقعا متميزا مغاربيا. رغم التآكل الذي قد يعتري التجربة مع الوقت، نتيجة الدور السياسي الرسمي، أو شبه الرسمي الذي تنجزه وطنيا هذه التجربة النقابية المتميزة.
الجزائر وكعادتها تعرف احتجاجات شبه يومية، تحولت مع الوقت إلى نوع من الرياضة الوطنية حتى وهي تعرف جمودا سياسيا، عكس ما هو حاصل على جناحيها. ليبقى المميز في الحالة الجزائر هو الحراك الذي تقوده النقابات المستقلة، التي ظهرت من بداية التسعينيات. نقابات لجأت إلى تكوينها الفئات الوسطى الأجيرة كالأساتذة والمعلمين والأطباء، الذين خرجوا في مظاهرات واسعة الأسبوع الماضي في أكثر من مدينة جزائرية، للتعبير عن مطالبهم الاجتماعية وحتى تلك المرتبطة بتكوينهم الطبي. مظاهرات قوبلت بعنف من قبل الجهاز الأمني في الجزائر العاصمة. وهي المدينة التي ترفض السلطات العمومية السماح بالمظاهرات داخلها، من يكون القائمون بها، ومهما كانت مطالبها منذ 2002. في حين سمح بها في مدن أخرى، ستتحول مع الوقت إلى بؤر للتعبير عن هذه الحراك الاجتماعي وحتى السياسي، كما هو حاصل في تيزي وبجاية، التي تحولت إلى قبلة يتوجه إليها كل من يريد أن يحتج ويسير في الشوارع من الجزائريين، وحتى للذي يريد ان يحاضر ويعبر عن رأيه.
يحصل كل هذا الحراك في الجزائر، في وقت وصلت فيها التجربة النقابية القديمة (الاتحاد العام) إلى حالة تكلس، بعد انحياز قيادتها شبه المطلق، لصالح وجهة النظر الرسمية، وحتى تلك التي يعبر عنها رجال الأعمال. مقابل عودة قوية سجلتها الفئات الوسطى الأجيرة نحو المطالبة والعمل النقابي. وهي التجربة التي تبحث عن وحدتها وتحالفاتها داخل وخارج عالم الشغل، الذي يعيش تحولات سوسيولوجية عميقة لم تكن دائما لصالح وحدته وفعاليته.
خلاصة هذه الصورة التي تقدمها المنطقة المغاربية عن نفسها، يظهر مغرب تحتل فيه المسألة الاجتماعية مكانة مركزية، عكس ما هو حاصل في المنطقة المشرقية من هذا الفضاء العربي الذي تحول نحو التعبيرات الثقافوية والإثنية المدمرة، التي تمثل خطرا فعليا على التجانس الاجتماعي الوطني وحتى البناء المؤسساتي للدولة الوطنية، كما هو حاصل في العراق، سوريا واليمن. بعد أن التقى البعد الإقليمي والدولي المعادي بهذه الاتجاهات التي عبرت عنها الحركات الاحتجاجية الاجتماعية في أكثر من حالة. فالمقارنة البسيطة بين المنطقتين تظهر لنا مغربا كبيرا، يعبر عن نفسه اجتماعيا، بأدوات عصرية كالنقابة والجمعية للمطالبة بالاندماج أكثر. تعبير اجتماعي يغلب عليه الطابع السلمي كاتجاه عام، رغم بعض المحطات التي قد ينتكس فيها هذا التعبير السلمي، كما حدث جزئيا في تونس في المدة الأخيرة، التي عادت فيها الحركات الاجتماعية إلى تعبيرات عنيفة، تشبه الحالة الجزائرية، اعتقد الكثير أن الحالة التونسية قد تجاوزتها، في وقت يتجه فيه الحراك الاجتماعي في الجزائر الى التعبير عن نفسه نقابيا أكثر، خاصة عندما يتعلق الأمر بالفئات الوسطى التي تقود الحراك هذه السنوات. حراك حتى إن طرح مسائل ثقافية ولغوية، كما هو حال الحراك الأمازيغي البارز في أكثر من حالة مغاربية هذه السنوات الأخيرة (ليبيا. الجزائر والمغرب) فالغالب عليه هو مطالبته بالاندماج الوطني أكثر، وبأدوات سلمية تمزج بين الاجتماعي الاقتصادي والثقافي، كما ظهر ذلك جليا في حراك الشمال في المغرب الذي عبر عن انشغالات اقتصادية واجتماعية مرتبطة بالمنطقة، عرف كيف يربطها بالثقافي واللغوي خارج الطرح الإثني الذي بقى بعيد عن الحركة الامازيغية في الدول المغاربية.فقد تبنت الحركات الأمازيغية في الشمال الإفريقي تصورا واضحا عن نفسها وعن مجتمعاتها، مفاده ان الشعوب المغاربية هي شعوب أمازيغية في عمقها التاريخي، في مجملها، رغم ما عرفته من هجرات بشرية تاريخية معروفة، كانت على رأسها الهجرة العربية ـ الإسلامية صاحبة التأثير الأكبر ثقافيا ودينيا. فلم يكن واردا بالنسبة لهذه الشعوب ونخبها المعبرة، الكلام عن أقلية وأغلبية بالمعنى الإثني الذي سيطر مشرقيا في وقت الأزمة والتشظي الذي تعيشه المنطقة في السنوات الأخيرة.
الاحتفالات برأس السنة الامازيغية الذي يطلق عليه بعض سكان المنطقة المغاربية «رأس السنة انتاع العرب» تمييزا له عن رأس السنة المسيحية، يمكن ان يكون مؤشرا مهما عن هذا النسيج الاجتماعي المغاربي المتجانس. فرأس السنة الأمازيغية يتم الاحتفال بها في كل المناطق بأشكال متشابهة، مهما كانت لغة تعبيرها الحالية، العربية أو الأمازيغية. فهي من هذه الزاوية عامل وحدة داخل كل بلد وبين بلدان الشمال الإفريقي كلها، وليست عامل فرقة وتشرذم. لهذا أقول للجميع «أسقاس أمقاز» وكل عام وشعوبنا كلها بألف خير.
كاتب جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *