بقلم : عزالدين جرافة
يرى كثير من الملاحظين والمتابعين للمشهد السياسي العام ولمسار الحراك الشعبي , بأن الجيش الوطني الشعبي يماطل في الذهاب إلى الحل الذي ينسجم مع مطالب الحراك الشعبي رغم تأكيده مرارا على أنه سوف يظل مرافقا للشعب حتى يحقق جميع مطالبه…والبعض الآخر يتوهم بأنه ربما يغازل بقايا العصابة التي افسدت البلد وعرضته لكل أنواع المخاطر ..
غير ان العكس هو الصحيح من وجهة نظري الخاصة وذلك لان الجيش الوطني اليوم بات يدرك تماما من أين تؤكل كتف بقايا العصابة الخائنة التي ارادت ان تتغذى بالفريق قايد صالح وبعدد من ألوية هذا الجيش عبر احداث تغيير جوهري على القيادة العسكرية الحالية وذلك بالتعاون مع فرنسا الرسمية و مع بعض وكلائها وخلاياها النائمة بما يسمح لها بإعادة ترتيب أمور الحكم على المدى المتوسط أو البعيد .. لكن مشروعهم الانقلابي باء بالفشل بفضل الحراك الشعبي الذي خرج يوم 22 فيفري 2019م للمطالبة برحيل هذه العصابة وجميع رموزها اولا ثم بيقظة القوات المسلحة التي تفطنت لذلك المخطط قبل وقوعها فسارعت إلى الضغط على الرئيس بوتفليقة من أجل الاستقالة الطوعية وذلك ماتم فعلا حيث انه تراجع عن مسألة العهدة الخامسة وقدم استقالته مما دفع المجلس الدستوري الى اعلان حالة وفق منطوق الدستور في مادته 102 .. و بمثل هذا وجهت قيادة المؤسسة العسكرية الضربة الأولية الموجعة لهذه العصابة بطريقة دستورية… ثم واصلت معركتها التي باتت مصيرية مع بقايا هذه العصابة ورموزها المتخفية في أوكار الرئاسة وفي مختلف مواقع و دواليب الدولة العميقة.
ان الجبش الوطني الشعبي الذي استرجع عقيدته النفمبرية بات يعرف تماما ما هي الضربات الموجعة التي ينبغي أن توجه لعدو الشعب و الجزاير في هذه الأوقات بالذات.. كما بات يدرك من اين ينبغي ان يبدا معركته مع خصومه واعدائه ..وبمن يستعين في مثل هذه المعركة…ويبدو انه قد اهتدى الى خطة عملية تتوافق إلى حد بعيد مع مطلب الحراك الشعبي وفي نفس الوقت لا تخرج عن الإطار العام للدستور ولا تتجاوز الصلاحيات الدستورية الممنوحة للجيش , وهي في ذات الوقت موجعة جدا لبقايا العصابة وتعمل على تجفيف منابعهم وتقطع الطريق على امداداتهم اللوجيستية
وها نحن نكاد نلمس اليوم بعد أقل من شهر من اتخاذ ذلك الموقف التاريخي لتنحية الرئيس بوتفليقة , التحقق التدريجي للثمار الأولى لهذه الخطة المتبناة وباخف الاضرار والارتدادات..حيث تمت عملية نزع الغطاء عن أهم رموز هذه العصابة وداعميهم بما جعلهم يرحلون بدون ضجيج ومن الباب الضيق…بمعنى انهم اليوم يرحلون وهم متهمون بالفساد وبتدمير مكتسبات الوطن وخيانة الشعب.. وربما يأتي اليوم الذي لا يجدون فيه بابا يفرون من خلاله ولو بجلدهم كما يقول المثل….
إنها عبقرية سياسية لمنفذي هذه الاسترتيجية في مواجهة استراتيجية المكر والخداع والتماطل و محاولة التحايل على الحراك الشعبي والتي وصلت إلى حد إثارة الفتنة بين الشعب وجيشه بذريعة ان الجيش لم يسرع في الحل الذي يريده الحراك …في حين ان العكس هو الصحيح لانه لو تم التسرع لأدى ذلك إلى توقفه قبل أن يكتمل وربما توقف في منتصف الطريق أو تسبب في هزات ارتدادية عنيفة …
لكن الحراك الشعبي ومن حوله من المرابطين على ثغوره لم يسقطوا في شراك هذا الفخ المنصوب لهم من قبل الثورة المضادة للحراك بل استمروا في مسيراتهم بنفس العزيمة والاصرار..وتمسكوا بمطلبهم الأساسية الغير قابلة للتنازل و المتمثل في حتمية رحيل كل رموز العصابة قبل الانتقال إلى المراحل البناء…ولم يتقيدوا بالنص الحرفي للدستور الحالي…لكنهم في ذات الوقت ظلوا متناغمين ومتلاحمين مع جيشهم وباركوا فتح باب المحاسبة لرموز الفساد وفق المخطط الذي تبنته المؤسسة العسكرية وباشرت العدالة بتنفيذه
و من الواضح تماما بأن هذه العملية الأخيرة التي طالت لحد الان عددا من رموز الفساد سيؤدي حتما إلى سقوط ما تبقى من تلك العصابة التي أشرنا اليها اعلاه , الواحد تلو الاخر و ارباكهم بما يجعلهم غير قادرين على مواصلة مخططهم التدميري
عز الدين جرافة 30 أفريل 2019م