بقلم :نسيمة بولوفة
أتذكر أنه في بداياتي الإعلامية منذ أزيد عن 20 كان لي شرف محاورة المجاهد الراحل لخضر بورقعة. كنت حينها أخطو خطواتي الأولى بأسبوعية كواليس. إذ يكلفني مدير التحرير الأستاذ محمد صالح حرزالله بإجراء لقاء مع المجاهد البطل بورقعة. في البداية فرحت كثيرا. ثم إنتابني الخوف الشديد لعدم إلمامي بتاريخ هذا الإنسان الفذ. فإعتذرت معربة عدم تمكني من محاورته. عندها لقنني مدير الجريدة درسا مهما في عالم الصحافة. قال لي مستنكرا. هل تحسبين أن الصحفي يمتلك دائما المعلومات الوافرة لينجز مهمته؟ كثيرا ما يلجأ الصحفي للبحث التنقيب الحفر الإشتغال فيطور ذاته و منه يبني تحقيقه أو حواره. تنفست الصعداء قمت بجمع المعلومات المهمة محاولة تجاوز ترددي و جهلي. تحدثت مع المجاهد عدة مرات هاتفيا لأستطلع عن بعض الأمور المساعدة لتشكيل أسئلة المقابلة. وجدته نهرا متدفقا من المعلومات كمنجم يسرد تاريخ البطولة بإحكام. فإتفقنا على موعد إجراء الحوار. هنا هزني كمحارب يهتم بأدق التفاصيل الصغيرة سائلا. و كيف ستأتين لمقر مكتبي يا إبنتي؟ هنا إستغربت هذه أول مرة يهتم الشخص الذي أقوم بمحاورته بكيفية تنقلي. أجبته بخجل لا داعي للقلق سيدي سأستأجر سيارة تاكسي و سأحضر في الميعاد. إحتج. لا ما فهمتينيش. شحال ايخلصوكم حتى تزيدي تجي فالتاكسي. سأرسل لك السائق هو يتولى نقلك. قطعا إبتهجت بكرم طيبته. و تم الحوار في أحسن الأحوال. و أنا أفرغ محتويات شريط التسجيل و اصوغ الحوار. وجدت حقائق كثيرة صادمة قام البطل بقصها بشجاعة. رحت أتساءل هل يعقل و يحق أن ننشر هذا الكلام الجريء. لجأت للأستاذ حرزالله طالبة منه المعونة و الإستشارة. و قد قمت بالتسطير على جمل بذاتها قالها المرحوم. نظر لي مدير التحرير بتعجب نعم نسيمة ما بك؟ هل حقا أستاذ نستطيع نشر هذا الكلام؟ أجاب بمنطق. إنه كلامه لا؟ لديك تسجيل صوتي يؤكد ذلك. إن شعرت بالتردد ما عليك إلا محادثته هاتفيا. و بالفعل إتصلت بالقدير لخضر بورقعة لتذكيره ببعض الأجوبة. رد نعم أنا قلتها و أنا في كامل وعي. و لديك تسجيل صوتي بكلامي. أنا لخضر بورقعة كلمتي كالرصاص لا أبدلها أبدأ. لحظتها كبرت صورته كثيرا في أعماقي. إعتذرت منه بشدة و أنا فخورة بالتعرف على رجل بشاكلته لا يهاب بل خلق مثله ليجعل المحيطين به يهابونه بإجلال. آخر مرة سمعت فيها صوت هذا البطل الفذ. لما كلمني هاتفيا يوم جنازة والدتي الله يرحمها. حيث كنت في قمة الحزن التفكك و الإنهيار . كأن الله أراد يومها أن يشد وزري بسماع صوت البطل و هو يدعوني للصبر السلوان بالتحلي بكثير من الشجاعة. الله يرحم المجاهد المخلص لوطنه و أبناء شعبه الذي جمع بين القوة البسالة و رقة طيبة الحنان. هو نموذج من نماذج الجزائر الشامخة. ليرزقه الله بجنات النعيم.