لِتَعْلَمَ يَهُودُ أَنَّ في دِينِنَا فُسْحَةٌ، إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ”.
فالترويح عن النفس فطرة إنسانية، ولهذا ذكرها الله تعالى في قصة إخوة يوسف حين قالوا: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}” يقصد منه الاستجمام ودفع السآمة، وهو مباح في كافة الشرائع.
الراحة والعطلة ليست عطلة عن أداء الطاعات والواجبات، بل تكون العطلة أدعى للمحافظة أكثر على الفرائض خاصة الصلاة
تصحيح مفهوم العطلة الصيفية في أذهان أبنائنا من الأولوية بمكان ,من المعروف أن إدراك حقيقة المفاهيم واستيعاب مضمون وجوهرالمصطلحات الحديثة بما يتناسب وينسجم مع تعاليم الإسلام هو مفتاح الوصول إلى حسن التعامل
معها .
وأن قضاء ذلك الوقت لا يمكن أن يكون في غير المباحات وضمن الحدود المقبولة التي لا تودي بصاحبها نحو الشبهات والحرام ,والإسراف والمبالغة بما لا يتوافق في كثير من الأحيان مع تعاليم الإسلام ، وإن معظم السلوكيات السلبية التي نراها في كيفية قضاء كثير من أبنائنا للعطلة
الصيفية اليوم بدءا بتضييعها فيما لا يعود عليهم وعلى أسرهم ومجتمعهم بأي نفع او فائدة وصولا إلى إسراف البعض وتوغلهم في باب المباحات الذي قد يفضي بهم إلى ولوج باب الشبهات وليس انتهاء بجنوح البعض نحو استباحة ارتكاب المحرمات والخوض في المنهيات وربما الكبائر بدعوى الترويح عن النفس والاستمتاع بالعطلة ناجم عن الفهم الخاطئ لمفهوم الإجازة ذاتها
.يحلو للبعض تبرير ما سبق من أخطاء وتمرير تجاوزاته في قضاء عطلته الصيفية بالاستشهاد بالحديث الذي َقَالَ فيه رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم (( وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِى وَفِى الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ
عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِى طُرُقِكُمْ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ). ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ……..وعلى الرغم من وضوح معنى مفهوم
“ساعة وساعة” في الحديث وانصرافها باتفاق شراح الحديث إلى ساعة الانشغال بأعمال الدنيا ومتطلبات الحياة اليومية والقيام على شؤون الزوجة والأولاد بعد ساعة الطاعة والعبادة والذكر….إلا أن البعض يصر على فهمه الخاطئ لها وتبرير انحرافاته وتجاوزاته من خلالها ، الباحث في تراث الإسلام لا
يجد شيئا عن العطلة من العمل، فالإنجاز جزء أصيل من حياة المسلمين، حتى يوم الجمعة الذي يعد يوم عطلة رسميا في غالب الدول، نجد أن القرآن الكريم حين تحدث عن صلاة الجمعة أعقب الحديث عنها عن العمل، فقال سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
.فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [الجمعة: 9، 10]، ذلك أن النظام الأمثل في الإسلام هو أن لا يكون العمل يشغل غالب يوم الإنسان، فكثير من الناس يعمل منذ الصباح
حتى الليل، وهو مخالفة للفطر والسنن، كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا . وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا) النبأ: 10،
فيحل للناس أن تعمل ليلا حسب الظروف والحاجات، لكن الصورة المثلى أن يكون النهار للعمل، والليل للراحة والعبادة.
وله فترة للراحة . فكيف يفكر المسلم في الاستفادة من عطلته؟ وكيف يستفيد منها؟ فالقرآن يقرر أن الاستمتاع بمتع الحياة الدنيا هي للمؤمنين في الدنيا وهذه بعض النصائح من الاستفادة من العطلة:
لا راحة ولا عطلة في المعصية
ارتبط في أذهان كثير من المسلمين – للأسف- أن العطلة هي مجال لمعصية الله تعالى، وأن العطلة فرصة للتخلي عن الواجبات وارتكاب المحرمات، فلكم أن يستمتعوا بالحياة في غير معصية، فيمكن للإنسان أن يستمتع بأي شيء يريد،
فله أن يسبح، وله أن يتنزه، وله أن يسافر، وله أن يشتري، وله فعل كل ما يريد، كل ما هنالك أن لا يصحب ذلك معصية.
– المحافظة على الفرائض
وفي الاستجمام والاسترواح يراعي المسلم المحافظة على الصلوات في أوقاتها ولا يترك الواجبات، فالراحة والعطلة ليست عطلة عن أداء الطاعات والواجبات، بل تكون العطلة أدعى للمحافظة أكثر على الفرائض خاصة الصلاة، و أن يجدد المرء العهد مع الله تعالى في المحافظة على الأداب العامة
والأخلاق ا لفاضلة مع وضع أهداف في العطلة من الأفضل أن يفكر المسلم في وضع أهداف له في عطلته يسعى إلى تحقيقها، وأن تكون هذه الأهداف أهدافا متنوعة، منها ما يتعلق بحسن صلته بربه، وأن يراجع علاقته مع الله تعالى، فيزيد من إيمانه بالطاعات من العبادات وعمل الخير وعون الغير، أو ما تعلق بغيره من صلة الرحم وزيارة الأهل والأقارب،
والتواصل مع الأصدقاء الذين هجرهم، وأن يعيد وصل ما انقطع مما كان موجودا في القديم، فيدخل البهجة في قلوبهم بزياراته لهم، أو ما كان يتعلق بالجانب الثقافي والفكري، فيحدد لنفسه بعض الكتب أو الروايات النافعة التي يمكن أن يستفيد منها، خاصة ما يتعلق بالجانب الديني، أو جانب
التنموي، فالتخطيط سنة نبوية، ومهارة حياتية، ومفتاح للنجاح والتفوق، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يفعل شيئا قبل أن يخطط له، حتى تكون الأمور واضحة، تؤدي إلى النجاح، كما هو الحال في الهجرة.
الترويح عن النفس فطرة إنسانية، ولهذا لم نجد الشريعة تكثر الحديث عنها، لأنها جبلة مفطورة في نفوس الخلق، وما كان ذلك من شأنه، فإن الشريعة تكتفي بوازع الفطرة عن وازع الدين. ، فبعض الناس يميل إلى الخضرة وجمال
الطبيعة، فيجد استجمامه فيها، وبعضهم يجده في الماء حيث البحار والأنهار والمحيطات، فمن المهم أن يدرك الإنسان طبيعته، وأن يعرف نفسه، وأن يدرك ما الذي يروح
عنها، ولا بأس بالتنوع في الترويح عن النفس، فيجمع بين أكثر من وسيلة،كممارسة الرياضة والتنزه والقراءة والخلوة بالنفس والقراءة وغيرها من الوسائل التي تروح عن النفس وتعيد لها النشاط والحيوية، وتعطيها راحة تدفع إلى مزيد من العمل والعطاء.
– حمد الله على النعم
ثم من خصال المؤمن الصادق أنه إن أدى عطلته على الوجه الذي يحب، ورأى فيها توفيق الله تعالى له، وحصوله على الراحة والاستجمام أن يحمد الله تعالى على ما وهبه من النعم، فكم من الناس حرم ما رزق هو، وكم من الناس
يرجو ما أعطيه، فيرد الأمر لله تعالى ويحمده، كما قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53]، وهذا من الشكر الذي يحفظ الله به النعمة على عبده، ويرزقه الزيادة من فضله، كما قال سبحانه: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ }
[إبراهيم: 7
بقلم الأستاذ / قسول جلول
باحث وإمام مسجد القدس حيدرة