يستذكر الكاتب محمد الصالح حرزالله في هذا الحوار، تجربته مع مجلة “آمال” في نهاية السبعينات، حيث ترأّس تحريرها في تلك الفترة، ويستعيد عبر هذا الحوار، كليشيهات عمرها أكثر من أربعين سنة، رافقت طموحات وأحلام مؤسّسيها والمشتغلين بها، وشهدت على رغبتهم الجامحة في تأثيث المشهد الثقافي الجزائري، حين كان العمل تطوّعًا، ضريبته المغامرة.

ودعا الكاتب محمد الصالح حرز الله في هذا اللقاء، إلى جعل مجلّة “آمال” مؤسّسة إعلامية مستقلة، كونها شكّلت منبرًا للمبدعين منذ انطلاقها عام 1971، معرّجًا على أهمّ محطات عمله بها، في هذا الحوار:

حاورته نجيبة صيودة

أنت أحد الأوائل المشرفين على مجلّة “آمال الثقافية” كيف كانت البداية؟

للتأريخ فقط؛ أنا لست من مؤسّسي مجلّة “آمال”، فهي تعود للراحل  الكبير مالك حداد، الروائي الشاعر الذي أسّسها بين سنتي 1969 و 1971 باللغتين العربية والفرنسية، تحت عنوان “آمال” و “promesse”، لكنّ النسخة الفرنسية توقّفت بعد عددين أو ثلاث بعد أن كانت تصدر في شكل كتيّب، و المسألة نفسها بالنسبة للمجلّة الصادرة باللغة العربية،  استمرت “آمال” لسنوات على الشكل نفسه، إلى أن توليت رئاسة تحريرها سنة 1979،  رفقة الشاعر عبد العالي رزاقي بطلب من الأديب الراحل محمد سعيدي، والذي كانت تربطني به علاقة طيّبة، وقتها كنّا شبابًا نفتقر لمنابر النشر الإبداعية والثقافية، كون محمد سعيدي أديبًا وناقدًا متخصّصًا في الأدب الروسي (السوفييتي)، وترجم عديد الكتب، وكانت علاقته بالكتّاب الجدد جيّدة، فكان يتابع جميع كتاباتنا حتى أنه اقترح عليّ تقديم مجموعتي القصصية الأولى”الابن الذي يجمع شتات الذاكرة” سنة 1976، الصادرة في أولى طباعاتها بدولة تونس الشقيقة، ثم تلتها طبعات أخرى هنا بالجزائر.

 ولحكاية تعييني على رأس مجلة آمال حكاية طريفة حيث كنا في مرّة من المرّات  نرتشف قهوة بمقهى “اللوتس” الشهيرة في قلب العاصمة والتي كانت ملتقى للأدباء والاعلامين     آن ذاك، قال لي محمد سعيدي متسائلًا: “لماذا لا تتولو”مجلة آمال”؟ ولكني لم أعط أهمية بالغة للفكرة حينها، وكان برفقتي في تلك الجلسة الصديق عبد العالي رزاقي و جمال عمر العيادي، وهو أيضًا من المبدعين الشباب الجدد في ذلك الوقت، وعضو البرلمان البلجيكي حاليًا، وهو الذي فال لي بعد خروجنا من تلك الجلسة، لماذا لم تبد رأيك في اقتراح سي محمد سعيدي؟ وفي واقع الأمر أني لم أخد الاقتراح محمل الجد .واعتبرته مجرد كلام، وبعد إلحاح الصديق جمال العيادي وافقت على الاقتراح لأصبح رئيس تحرير المجلّة بمعية الصديق الشاعر عبد العالي رزاقي. 

 

“آمال” ساهمت في خلق حركة نقدية في الأدب الجزائري

 بعد تولّيكم رئاسة تحرير “آمال” ما هي التغييرات التي أضفتموها عليها؟

بعد موافقتي على  رئاسة تحرير المجلّة، اقترحت أن يتولى قسم الشعر الصديق عبد العالي رزاقي، بينما تولّيت أنا قسم القصّة والنقد، فشكّلنا مجموعة من الأدباء في هيئة التحرير هم الشاعر حمري بحري، الروائي إسماعيل غموقات، ومن قسنطينة  الكاتب محمد زتيلي، بينما يلتحق بنا من عنابة عبد الحميد شكيل، ومن وهران  الكاتب أمين الزاوي، الذي أصبح مراسلًا للمجلة من دمشق فيما بعد، حيث كنّا نستقبل إبداعات الشباب من مختلف بقاع الوطن.

في تلك الفترة غيّرنا شكل المجلّة تمامًا وجعلناها بشكل مشابه لمجلة “الأقلام العراقية”، التي كانت مميّزة في تلك الفترة، بمساعدة الفنان التشكيلي الطاهر ومان، الذي تكفّل بالرسومات المصاحبة للقصص والأشعار، وكان أيضًا يتولّى الإخراج، فرغم عدم تخصّصه في مجال الإعلام؛ إلا أنه أبدع بشكل رهيب، فكانت مجلة “آمال” متميّزة في شكلها، وتظهر بحلّة جديدة مناسبة في كل عدد، فكانت تخصّص الصفحة الأولى لواحدة من لوحات الطاهر ومان،الذي كان يرسم أيضًا ما يرافق القصص والأشعار، فكان هو المصمّم الفنّي للمجلة، هذا دون أن ننسى الخطاط الكبير عبد المجيد غالب الذي أضاف لمسة خاصة بخطوطه المتميزة .

هكذا اذن  منحنا مجلة “أمال” طابعًا آخر ونفسًا إبداعيًا فنيًا جديدًا بفضل طاقمها الأدبي والفني والذي يشكل هيئة تحريرها،حقّقت من خلاله نجاحًا كبيرًا في ذلك الوقت، فكانت منبرًا لمختلف المبدعين إذ نشر فيها أغلب الأدباء المتميّزين والمتواجدين في الساحة الأدبية حاليًا، كما ذاع صيتها بشكل واسع، حتى أني فوجئت في إحدى المرّات برسالة وصلتني من مكتبة الكونغرس الأمريكية، يطالبون فيها باشتراك يقدّر بـ 200 نسخة من المجلّة.  

ما ميّز “أمال” أيضًا، أننا كنا أعضاءً في اتحاد الكتاب الجزائريين، فكنا نقيم ندوات نحتفي خلالها بكل إصدار أدبي جديد شعرا كان أم قصة، فنلتقي في قاعة اتحاد الكتاب بعد اطلاعنا على الإصدار، لمناقشته والاحتفاء به  في الورشة الأدبيّة التي كان يقودها الناقد الراحل محمد سعيدي، تحت مسمّى “الورشة الأدبية”، فكنّا نجمع تلك النقاشات في ملفّ العدد، لذلك فإنّ مجلة “آمال”، قد لعبت دورًا كبيرًا في مرافقة المبدعين الشباب،  وأيضًا ساهمت في الحركة النقدية الجزائرية.

 

سعيًا منا لخلق حركة نقدية بالجزائر كونها كانت مغيبة إلى حد ما

 

كيف كان الطلب على “آمال” وكم بلغ عدد النسخ التي تطبعونها في كل مرة؟

كما أخبرتك؛ مجلّة “آمال” كانت ذائعة الصيت، فهي منبر للمبدعين من مختلف مناطق الوطن، فكنّا نطبع أزيد من 5000 نسخة من كل عدد، كنّا نطبع ونوزّع دونما البحث عن مداخيلها، لأنّنا كنّا حديثي التجربة، خضنا مغامرة ونجحنا.

 

“خضنا مغامرة ولم يكن لنا أيّ منفذ”

 

بعد التحاقكم بالمجلّة كيف كانت أوضاعها القانونية؟

 المجلة كانت تابعة للوزارة كمجلة “الثقافة” ومجلة “ألوان”.  وقد اقترحنا في ذلك الوقت إيجاد إطار قانوني ينظم هذه   المنشورات كإحداث ديوان للمطبوعات الثقافية، تكون له ميزانيته وإدارته الخاصة التي تشرف على تسيير تلك المطبوعات.لكن ذلك لم يكن من أولويات الحكومة في ذلك الوقت ،  وبقيت المجلة تصدر وتوزّع، دون أن نستفيد من الناحية المادية، لا نحن المشرقين عليها ولا المجلّة في حدّ ذاتها، فلو كان هناك قانون متاحٌ مثلما هو في الفترة الحالية، لتغيّرت الأوضاع.. إذ تتوفر اليوم أشكالٌ متعدّدة لخلق مؤسّسات ثقافية مستقلّة، في ذلك الوقت خُضنا مغامرة ولم يكُن لدينا أي منفذٌ من المنافذ، حتى أنه مرّة، اكتشفت بالصدفة أن رقم حساب المجلّة هو الحساب البريدي الخاصّ بجريدة الشعب اليومية، الجريدة الرسمية للدولة، لأن وصاية “آمال” هي وزارة الإعلام والثقافة، فوضع المجلة في ذلك الوقت لم يكُن قانونيًا.

حقيقة كنا متطوّعين، وهنا أيضًا أفتح قوسًا؛ لأقول انه لم يكن هناك قانون خاص بالمجلّات أو الجرائد، لأنّها كانت جميعها ملكية للدولة، وبالتالي كنا متطوّعين في وزارة الإعلام والثقافة. كنا نتكفّل بإصدارها والإشراف عليها دون قرار رسمي، وكنا نتقاضى مبلغًا رمزيًا جدًا عن كل عدد يصدر. فقبل أن تُصبح شهرية كانت تصدر مرّة كل شهرين، فلم نكن موظفين رسميين، كنا كتّابًا متطوّعين فقط.

 

أصبحت مجلّة “آمال” اليوم، تهتم إضافة إلى الشعر والأدب والفن التشكيلي بمجالات أخرى كالسينما، والمسرح، والموسيقى، في رأيك ما هو سقف رهاناتها اليوم بعد أربعين سنة من صدورها؟

حقيقة هذه الإضافات التي تكتسيها مجلّة “آمال” حاليًا لم تغير من وجهتها القديمة، وإنمّا أعتبرها فتحت مجالا جديدا لما هو موجود، في الساحة الثقافية التي أصبحت أكثر تنوعا ففي وقتنا كنا نفسح المجال للنقد التشكيلي، والنقد السينمائي، النقد الأدبي، القصّة، والشعر. وفي رأيي، جميع الفنون متداخلة ومتكاملة، ووجودها حاليا إضافة جيدة للمجلة، ومن منبري أتمنّى ألا تبقى مجلّة دورية، أتمنى أن تُصبح مجلّة نصف شهرية على الأقل، حتى تفسح المجال لأكثر عدد ممكن من المبدعين، الذين تعج بهم الساحة الثقافية الجزائرية.

كما أتمنى من المسؤولين الحاليين، أن يعملوا على جعل المجلة قائمة بذاتها، يحكمها قانونها الخاص، سواءً في التسيير من ناحية طبعها، أو من ناحية التعامل مع الإعلاميين الموظّفين بها، أو كذلك من ناحية التعامل مع الأدباء المشاركين في أعدادها، لتكون مؤسّسة إعلامية مستقلة، خاصة وأن القوانين الحالية متاحة لذلك.

 

 

 

One thought on “محمد صالح حرز الله : “مجلة آمال أسّسها مالك حداد وأشرفنا عليها تطوّعًا “”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *