بقلم: فاطمة الزهراء أمال شربال
تصور مشهد موتك، لعله اليوم أو لعله غدا، ضع لانتظاره نصيبا من مشاغل يومك، حينها فقط، سينهار صرح الدنيا الذي نبنيه لأنفسنا عند استفاقة كل صباح، كل المشاريع التي نقضي الساعات والليالي الطوال نخطط لها، كل الأحلام، كل الطموحات، تسقط في تلك اللحظة…في تلك اللحظة فقط ، نشرع في استدراك ما ضاع منا بينما نحن في غفلة، لطالما تساءلت، لماذا نهرب من تذكر الموت، هل هو الخوف من ظلام القبر! أم هو الخوف من الألم! أم من الوحدة! أم فراق الأهل والأحباب ما يؤرقنا! هل هو فراق الدنيا! ملذاتها، طيب العيش بها؟ ذلك الأمان الذي نستشعره ونحن نعتقد أن الدور علينا لا يزال بعيدا…نسمع في كل يوم صوت المنادي…يلف الشوارع معلنا عن وفاة أحدهم، ولا نشعر بشيء إلا أننا لم نكن في عداد الموتى، ليس هناك سبب يجعلنا ننتظر الموت! كأنها تعمى الأبصار، أولعلها تأبى الإبصار، ندعي الإيمان والمعرفة، نعم، نعلم أن الأجل آت لا محالة، لكننا نؤجل مراجعة النفس وعتابها، وتمد لنا الدنيا حبل الأمل في المزيد من الحياة، حتى لا نكاد نتوقف ولو للحظة في كل يوم لنفتش زادنا، ونسأل أنفسنا، ماذا لو كان موعد الموت الآن؟ أو غدا! هل مستعدون للرحيل؟
قد تشمئز نفوس البعض من ذكر الموت، بينما لو تدبرناه لحضرنا له أنسفنا وانتظرناه بلهفة واشتياق…وما الموت إلا رحلة تحملنا للقاء رب العباد، فضع نصب عينيك أنك لا محالة ستلتقيه يوما، وبين الخوف من عقابه والاطمئنان لرحمته، سر الاستعداد للقائه، وهل يخشى المحب لقيا الحبيب! فهل نحن ندعي إذا! وما عرفنا أبدا معنى حب الله!
فما أجمل الموت لو بحثنا عن معناه، واجتهدنا لنحمل الزاد نسير شوقا لبلوغ حياة الخلد، كما نكد في حمل الهدايا للقاء الأحباب، فقط لو تذكرنا الموت عند استفاقة الصباح، لتعلمنا كيف نعيش الدنيا، وكيف نتدبر أمورها، كيف نترك باعا منها لاستقبال الآخرة، وكيف نقدم الحمد للرحمن الرحيم أولا وبادئ ذي بدء على أن منحنا يوما آخر نجمع فيه مزيدا من الزاد.