إن معظمنا نسي الله تعالى وأسند كل شيء إلى المادة، حتى أصبحنا كعبدة المادة والتقنيات ونسينا خالقنا فجاء هذا الوباء ليذكرنا بالله الخالق القادر لنتضرع ولنرجع إلى الله تعالى ،قال تعالى ((فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهمالشيطان ما كانوا يعملون ) سورة الأنعام آية 43.
من آثار الذنوب والمعاصي والمظالم : أنها تحدث في الأرض أنواعا من الفساد ومن الآيات الدالة على حكمته وعدله ورحمته بعباده: قوله سبحانه: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِلِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ الروم:41
ومن الفساد الذي يعاقب به المولى -عز وجل-: الأمراض التي يصعب الشفاء منها كمرض كورونا …لعل النا س يعودون ويرجعون إلى الفطرة السليمة.
نحن الآن نواجه الحقيقة. كل واحد أمام ذاته ـ لمراجعة الذات ومحاسبة النفس ، فنحن الآن أمام فرصة لا تعوَّض. بإمكاننا أن نفعل كل شيء جميل، فكأنما نحن في بدء الخليقة. نحن جيل يهديه التاريخ الساعةَ ما لم
ينله أحد قبل اليوم، فهذازلزالٌ وجدانيٌ يعيد العقارب كلها إلى الساعة الصفر، يعيد كل شخص إلى حجمه الطبيعي ويلقنه كيف يتواضع أمام عظمة الوجود ويضعه أمام مسؤولياته في الحفاظ على كل هذا الجمال، ويلقن كل واحد منا دروسا قاسية مفادها أن لا قيمة لشخص إلا بأفعاله وقيَمه،فلا بأس أن يضع كل واحد منا نفسه أمام المرآة، لعل هذا الوباء يسعفه بدرس،أليس فينا من يفاخرون بكونهم ينتمون لأحسن الناس على وجه الأرض ويعتبرون أنفسهم شعب الله المختار؟ أليس فينا من يعتقدون أن كل الحقوق لهم دون التقيد بواجبات؟
أليس فينا من يظلمون ويسبون ويلعنون في العلن ﴿ما يلفظ من قول إﻻ لديه رقيب عتيد ﴾ وأن الحرف الذي أو تقوله أوتكتبُه لا يضيع سُدى أبدًا إما أن يکون فوق رأسك عزًا، أو على ظهرك حملاً وَ وِزرا.
أليس بيننا من وجد في وسائل الاتصال الجديدة مجالا لإشاعة الفتن والمحن ونشر التفاهة وفحش الكلام وبجائحة كورونا لعلهم يرجعون
كورونا هو الفيروس الذي غير خارطة الأحداث الجارية، وأقام خلخلة في النظام العالمي الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي والديني.
ومازال في قوته وانتشاره في آسيا و أوروبة و أمريكا والصين الذي اكتشففيه ،فهو فيروس ذكي بذكاء التقدم العلمي وساعده في الاجتياح تقدم المواصلات التي جعلت العالم قرية واحدة ، كورونا زعزعت مفاهيم عدة ،
وشكلت نظماً استهلاكية جديدة، وكونت ثقافة جديد
هذا الفيروس الذي جعل العالم في القلق والهلع والخوف والجزع سواسية لافارق بين حاكم ومحكوم ولا شرق ولا غرب .
هذا الفيروس الذي وقفت ضد الاقتصاد العالمي الجائر فأوقفه عند حده،وتسببت في تحقيق خسائره المقدر بالملايير .
هذا الفيروس الذي تسببت في انهيار بورصات العالم، فحولتها إلى حمراء.
هذا الفيروس الذي تسببت في انخفاض ثروات أغنياء العالم و في انخفاضالبترول واوقف حركات الطيران والسفن بشكل شبه كامل، وتسببت في عزل العالم
، وإجبار الناس في أن يعيشوا في بيوتهم، وإغلاق المحلات التجارية.
هذا الفيروس الذي تسببت في موت وإصابة عشرات الآلاف،وبعث رسائل للعالم على اختلاف دياناتهم وعقائدهم لأغنيائهم وفقرائهم مذكرا أياهم بالرسائل الآتية :لعلكم تعودون لعلكم ترجعون ….
ـ التذكير بأنكم في معظمكم كذبتم وظلمتم واعتديتم والأرض قد ملئت ظلماً وفساداً بما كسبت أيديكم، فلم توقفوا الظالمين والطغاة المستبدين فيفسادهم و طغيانهم وقتلهم وتعذيبهم بل حتى حرقهم الناس في الساحات، بلوقفتم معهم وأيدتموهم لمصالحكم الشخصية والاقتصادية،فأصبح الإنسان الذي هو أكرم مخلوق معذباً مقيداً ذليلاً قد فقد كرامته وحريته .
ـ أنتم الذين عمقتم التفاوت الطبقي فأراد هذا الفيروس ـ كورونا التذكير بالفقراء الذين يصل عددهم إلى حوالي مليار فقير في هذا العالم لايملكون قوت يومهم، ولا القدرة على الغذاء والمأكل والملبس والمبيت وهم
يتضورون جوعاً، فلو صرفتم عشر ما فقدتم بسبب كورونا لأصبحوا أغنياء .
أنتم الذين تأخرتم في نصرة المظلومين وتاجرتم بالقضايا العادلة فأردت،التذكير بهؤلاء اللاجئين الذين فقدوا أرضهم ووطنهم وأصبح بعضهم من نصيب
الحيتان بمجازفتهم بالحياة، فلو وفرتم لهم الحياة الكريمة لعاشوا عيشةمطمئنة .
لعلكم تتذكرون عشرات الملايين من الأيتام والأطفال الذين لا يجدون مايأويهم ويعلمهم ويوفر لهم الأمن الغذائي و الصحي، ويتساقطون بسبب المجاعة
والأمراض بالملايين .
فحاسبوا أنفسكم وأكثروا من الاستغفار والذكر والدعاء لعلى الله ينزلرحماته ويجعل لنا فرجا ومخرجا إنه ولي ذلك والقادر عليه آمين …
بقلم الأستاذ/قسول جلول
باحث وإمام مسجد القدس حيدرة