بقلم: أبو بكر عبد العزيز
أهدى فرحات عاس، بعد أن ودّع الإقامة الجبرية، كُتبه موقّعة إلى الرئيس”الشاذلي بن جديد”، ومنها كتابه الشهير”الاستقلال المصادر”. وكتب يقول:”اعتبر الشاذلي بن جديد بمثابة جُرعة من الهواء الطلق للبلد. فالجميع يعرف أن من بين الإجراءات الأولى التي اتخذها إطلاق سراح بن خدّة والشيخ خير الدين وحسين لحول. ومنحني أنا وبن خدّة جوازين دبلوماسيين. واهتم بمصير بن بلّة، وأخرجه من الزنزانة، حيث تركه بومدين يتعفن.
في البداية سمح له أن يُقيم في مدينة مسيلة عند حمويه، وحين عاد إلى العاصمة، عامله كرئيس دولة سابق. منحه مسكنا، ومكّنه من حقه في المعاش، وسمح باستفادته، هو وزوجته، من جوازين دبلوماسيين.
وأفضل من ذلك ما قام به الرئيس الشاذلي بن جديد حين ألغى رخصة الخروج للجزائريين المسافرين خارج التراب الوطني، وهو إزعاج أقلّ للمواطنين. ومن الآن فصاعدا، أصبح الفلاحون ومسؤولو المزارع المسيّرة ذاتيا يسوّقون محاصيلهم تحت مسؤوليتهم المباشرة، والبلد الآن مموّن بشكل أفضل.
وتحسّنت العلاقات مع فرنسا، وهذا ليس بالشيء اليسير، خاصة ونحن نعرف أن مليونا من الجزائريين يعيشون في الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط. وبصرف النظر عن العلاقات الاقتصادية التي تربط البلدين، حدث تلاقح إنساني إلى درجة أن الفرنسيين والجزائريين يشعرون وكأنهم في بلدهم في فرنسا وفي الجزائر.
وفي ما يتعلّق بالحزب الواحد كان الرئيس مُجدِّدا. ففي عهدي بن بلة وبومدين، اللذين كانا يعلنان باستمرار انتسابهما إلى هذا الحزب، ظلّت جبهة التحرير الوطني شبحٌا؛ الأمر الذي سمح لهما أن يمارسا سلطة مطلقة، دون حسيب ولا رقيب.أما الرئيس الشاذلي فقد نفخ الروح في الحزب، بتأسيس لجنة مركزية ومكتب سياسي جديدين. هذان الجهازان يجتمعان ويتداولان الأمور. وبمساعدة محمد الشريف مساعدية، عُضو المكتب السياسي ومسؤول جهاز الحزب، خطى الرئيس خطوة جبّارة نحو الاستشارة الديمقراطية.
والشعب يتمنّى أن يذهب الرئيس إلى أبعد من ذلك، بأن يعزّز الحريّات الأساسية للإنسان، فذلك ما ينفع الجزائر، وذلك ما يجعل الحزب الحاكم منبثِقا من الإرادة العامة.
كما يسعى الرئيس الشاذلي إلى إعطاء مجرى جديد للسياسة، فقد شرع في استئناف علاقات طيّبة مع تونس والمغرب، متبنّيا القرارات التي صادق عليها حزب جبهة التحرير الوطني سنة 1958، أثناء ندوتي طنجة وتونس”.
ويختم فرحات عباس قائلا: “إن حِكمة رئيسنا هي في مستوى المسؤوليات الملقاة على عاتقه”.