من المعلوم من الدين بالضرورة أن المحافظة على النفس مقصد من مقاصد الشريعة، وقد حرم الاسلام الاعتداء عليها. قال تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ “لا ضرر ولا ضرار”. في مثل هذه الظرف الطارئ، وفي ظل الخطورة الكبيرة لانتشار فيروسكورونا، وبعد رفع هيئة الصحة السويدية درجة الخطر إلى أعلى مستوى. وحيث إنه قد ثبت أن هذا الفيروس كورونا من الأمراض المعدية، وتقرر طبيًا أن التجمعات سبب أساسي في نقل المرض وانتشاره وحيث إن الخطر على الناس أصبح واضحا ومؤكدا من هذا الفيروس، ومن منطلق حرص لجنة على السلامة العامة والخاصة،وتقرر تعليق صلاة الجمعة و الجماعة ،وتبقى شعيرة الأذان وإرشاد الناسالصلاة في بيوتهم ، عملا بهدي النبي عليه الصلاة والسلام في ظل العذر الشرعي: “… ألا صلوا في رحالكموالتأكيدعلى أهمية متابعة التعليمات الصادرة عن الجهات الصحية (وزارة الصحة) والالتزام بها بشكل جدي وفاعل، بما يحفظ النفس وأمن المجتمع. وتستمر هذا الإجراءات حتى تنجلي هذه الكربة، ويذهب الضرر عن الناس بإذن الله.
أما ما تعلق بالفتوى وتأصيلها بقواعد يعرفها أهل الاختصاص ، فتوى صحيحة لصدورها من هيئة مؤهّلة واعتمادها على اعتبارات صحيحةولي شخص واحد وإنما مجموعة من العلماء واستنادا للتقارير الصحية …
وبعض اتخذوا الفتوى تجارة ، وإشهارا وزيادة نسبة مشاهد في بعض القنوات وتعلوا أصواتهم بقول الله تعالى ((ومن اظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر
فيه اسمه وسعى في خرابها )) وحالهم يقول : أي خراب أكثر من غلقها..فهذه الآية حق أريد به باطل. ويقولون بإسم الدين ويوهمون الناس بأن المساجد لم تغلق ؟؟؟لمن قال لأول مرة في التاريخ تغلق المساجد.
ذكرالعلماء وهم يتكلمون عن الوباء الذي حلّ بالمسلمين والذي بدأ من أرض مصر ثم توسع الى أرض الشام سنة 749 هجرية ..إلى أن تطرقوا لمسألة الآذان والصلاة والأفراح قائلين”…وبطلت الأفراح والأعراس من بين الناس فلم يعرف أنّ أحدا عمل فرحا في مدة الوباء ولا سمع صوت غناء ،وتعطّل الأذان من عدة مواضع وبقي في الموضع المشهور بأذان واحد فقط لإسماع صوت الحق …
وغلّقت المساجد.
وعليه فلا يصحّ التّعقيب عليها في خطاب معلن عامّ؛ وأمّا قياس المزاحمة في المساجد والعدد الكبير واختلاف الأعمار بنظيره في مواضع أخرى، مثّل بعض قصار الفهم وتقاس الفتوى بالثّكنات العسكرية، فقياس مع الفارق؛ لأنّ
المزاحمة في المساجد متحقّقة بالمباشرة، في الصفوف المتراصّة، وبالأخصّ ملامسة الأنوف في السّجود للأرض الّتي تتردّد عليها روائح السّاجدين، وليس كذلك الثّكنات أو أماكن العمل الأخرى الّتي يمكن تفادي الاقتراب
الشّديد فيها..
وقد يقال إنّ المحافظة على الصّلاة في الجماعة مقصد ديني والمحافظة على النّفس من المرض المعدي مقصد نفسي، وحفظ مصلحة الدّين مقدَم على حفظ
مصلحة النّفس؟. لكنّ هذا التّقديم مقيّد بمراتب المصالح، بين الضّروري والحاجي والتّحسيني، وعبّرت الفتوى عن الثّالث بالتّكميلي، فالصّلاة فيجماعة مقصد ديني مكمّل للمقصد الضّروريّ الّذي هو الصّلاةُ، والمحافظة
على النّفس من الأمراض القاتلة تحقيقًا في مرتبة الضّروريات، فيقدّمالضّروريّ المتعلّق بالنّفس عل التّكميلي المتعلّق بالدّين هذا هواستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية . لقياسات النوازل”فالعبادة فى أصلها فردية، وإنما شرعت الجماعة والجمعة من أجل إظهار
الشعائر، وإظهار الوحدة بين المسلمين؛ثم إن صلاة الجماعة بالمساجد هي من وسائل المقاصد؛ والوسائل يغتفر فيهاما لا يغتفر في المقاصد، بل تسقط لمجرد المصلحة الراجحة؛ وأي مصلحة أكبر من حفظ الأنفس والأبدان؛ أنفس وأبدان أمة برمتها.
فحالة استنفار قصوى في العالم بسبب فيروس كورونا القاتل لان من صفاته :
السرعة الفائقة في الانتشار حتى انه اجتاح في ظرف وجيز كثير من دول
العالم والتي بدأت تعمل بمبدأ: درهم وقاية خير من قنطار علاج. ولأن المساجد هي مكان لاجتماع الناس وخشية انتشار المرض بدأ التفكير وبصفة استثنائية في منع الناس من صلاة الجماعة والجمعة ….أي تعليق صلاة
الجماعة والجمعةوكثرت الأراء وتعددت المدارس الفقهية فمنهم ومنهم علينا أن نعرف حكم صلاة الجماعة : ذهب الجمهور منهم المالكية إلى أنهاسنة والكثير منهم يقول انها سنة مؤكدة ونقل المازري عن بعض أصحاب مالك
انها فرض كفاية وجاء في التلقين أنها مندوبة مؤكدة الفضل .
وما دام بين أهل العلم اختلاف في حكم صلاة الجماعة وهي فسحة تجعلنا نختار الرأي الأنسب والأصلح الذي يحقق المصلحة ويبعد المفسدة .
فالراجح ما ذهبت إليه لجنة الإفتاء …بتعليق الصلاة وغلق المساجد لأنها تأكد لديها الضرر وأصبح محققا
فاطمئنوا لما ذهبت إليه لجنة الإفتاء ولا تشوشوا على المؤمنين وأكثروا من الدعاء لرفع البلاء والوباء وفروا على الله وبادروا بالاستغفار والتوبة النصوح.
الأستاذ/ قسول جلول
باحث وإمام بمسجد القدس حيدرة