بقلم :عادل صياد
يثير فيلم (المخرج) بشير درايس عن الشهيد الرمز العربي بن مهيدي حدثا غير مسبوق على منصّات التواصل الاجتماعي، جعل المتابعين للشأن السينمائي وتاريخ ثورة التحرير، حتى قبل العرض الأوّل للفيلم، ينقسمون إلى فئتين: فئة مندفعةٌ ضدّ كلّ أشكال الرقابة على الفنّ وعلى الخيال الإبداعي بوجه التحديد. وفئة غير متسرّعة في أحكامها، تدين الرقابة المسبقة إذا لم تكن في محلّها، وتؤمن بأنّ الحكم على المنتج الفنّي يصدر بعد العرض وليس قبله. وإذ كنتُ اندفعت منذ البداية وانتصرت للمخرج بحكم التزامي بقضايا حرية التفكير والتعبير، وهذا سلوك طبيعيّ لا يحرجني تماما؛ فقد تابعت عبر ذات المنصّات وجهات نظر الفئة الثانية، واكتشفتُ أنّ الموضوع يستحقّ إعادة طرح الأسئلة من جديد، والإصغاء بشكل جيّد لأهل الخبرة والاختصاص. الصدمة الأولى كانت محرّكات البحث على الانترنت، بحيث لا تكاد تعترف بالسيّد بشير درايس كمخرج، ولا يأتي ذكره إلا في نطاق هذه الأزمة (المفتعلة) و المتعلقة بردود الفعل تجاه منع فيلمه عن الشهيد العربي بن مهيدي من العرض، لملاحظات شكلية وأخرى مضمونية، تكون لجنة تابعة لوزارة المجاهدين قد وافته بها في إطار شغلها وصلاحياتها القانونية، باعتبار وصايتها من المساهمين الكبار (ماليا) في عملية الإنتاج، الخاضعة لدفتر شروط يلزم الطرفين باحترام بنوده. والحقيقة أنّ السيّد درايس لم يوفّ بتلك البنود، ويكون بالتعبير الجزائريّ الخالص (خائن الدار) بعد استئمانه عليها؛ إذ تمادى في نشر تلك الملاحظات الخاصة على المنصّات ووسائل الإعلام العامة لاستخدامها درعا واقيا تحت مسمّى (الرقابة) لاستجلاب التعاطف والتنصّل بالتالي من التبعات القانونية الممكن أن تنجرّ عن القضية. الصدمة الثانية كانت ما وصلني من بعض أصدقاء هذا الشخص والمقرّبين منه، إذ كشفوا لي أنّ المال العام والخاص الذي أخذه للغرض قد حوّل ثلاثة أرباعه لجيبه، حيث يقيم في باريس، وأنّ الفيلم قد شارك في تمثيله هو وزوجته، وموظف بأحد البنوك كان يساعده على تحويل العملة الصعبة، وأنه في ذات السياق يكون قد أعطى أدوارا لبعض مساعديه التقنيين ولم يدفع فلسا واحدا لكاتب السيناريو مراد بوربون. وأتحدّى هنا بشير درايس أن ينفي هذه الحقائق، وأن ينفي كذلك توريطه لوزارة الثقافة في دفع ديون مترتبة عن فساده المالي في تونس بعدما جعل (الشهيد العربي بن مهيدي) رهينة عنده لابتزاز جهات ومؤسسات رسمية، مقابل الترويج للطرح الكولونيالي بكون بن مهيدي لم يتعرّض للتعذيب والتنكيل والاغتيال الشنيع. ومن الصدف الجميلة أن يتزامن هذا الابتزاز الحقير مع الاعتراف الفرنسيّ بكون إدارته الكولونيالية قد اختطفت المناضل صديق الثورة الجزائرية موريس اودان وأعدمته ببرودة أعصاب. هل يمكن لعاقل أن يتصوّر المستعمر الغاشم يعذّب و يقتل أستاذا جامعيا من أصول فرنسية تعاطف مع الثورة، ويحنّ قلبه في المقابل على أحد الرؤوس المدبّرة لها من الجزائريين الأبطال؟. وبانتظار أن يردّ درايس ومن يسانده في الطرح والترويج للرواية الكولونيالية، أرغب بأن أسأله إن كان ميهوبي بحاجة إلى توقيع سيناريوهاته بأسماء مستعارة كما يقول، وأجيبه في الحال ودون أيّ تحفّظ، أنّ ميهوبي معروف نسبه إلى الكتابة والإبداع، وليس من الخساسة والفساد الذي يراه هو في نفسه، أن يقوم بهكذا أفعال شنيعة. فأنت في الحقيقة يا درايس، من يقوم بأكثر منها، وأنت من جعلت النقاش يدور حول شخصك بدلا عن أن يكون حول الفيلم وقيمته التاريخية والفنية والسياسية. إنّ فشلك الذريع في إخراج فيلم عن رمز من رموز الثورة الجزائرية، برغم الثقة التي حظيت بها، والملايير التي نهبتها للغرض هي ما يدفعك أن تختار وضع (الحركي) بدلا عن أن تكون مخرجا جزائريا خالصا من طينة أحمد راشدي ولخضر حامينة وعمار العسكري وإلياس سالم ورشيد بوشوارب من الأجيال الجديدة. ستلاحقك حتما لعنة الشهداء.