بقلم الأستاذة : إلهام شادر
ظلّ التّبادل الثّقافي العربي والروسي ، حلما يراود الكاتب الجزائري ” بوباكير ” ، وهاجسا يتربّض بصدره ، وقد تحقق بعض طموحه في نقل الثقافة الروسية إلى الوطن العربي ، وبقيت آماله في التعريف بالثقافة الجزائرية في روسيا ، مجرد أضغاث أحلام ، هو مثقف ألمعي ، من عترة رجالات الفكر والثقافة والترجمة في الجزائر ، عُرف بسعيه الدؤوب في خدمة بلده وثقافته ، بحّاثة عن المعرفة وذوّاقة للأدب ، نهل علمه من مصادر ثرّة لا تنضب ، فكره منفتح على الثقافة العالمية ، يغترف من ميادين معرفية شتى ، سمته التواضع الإنساني والمعرفي ، درس سنوات عديدة في جامعة ” سان بطرسبورغ ” العريقة بقسم الاعلام ، وعاد إلى وطنه بفكر منتعش ، له اسهامات عديدة في الثقافة الجزائرية ، فالرجل موهوب وعبقري جدا ، التقى بأساطين العلم والفكر والأدب والثقافة والسياسة والإعلام في العالم ، فمسيرته حافلة بالثراء و العطاء المعرفي ، عرفتُ ” بوباكير ” من خلال كتاباته الزاخرة ، والتقيته مرات عديدة ، في مؤتمر علمي بجامعة جيجل ، وفي معرض الكتاب ، وأجريت معه حوارات ، هو إنسان كيّس ، متواضع جدا وهادىء وكتوم ، يتوارى خلف محياه الخجول ، ألمه اللاعج في حنايا روحه الحزنى، دائم الانصات والتفكير ، له سحنة روسية ذات أمشاج عربية ، ساخر حزين ، مزّاح يهوى التنكيت ، يطلق قفشاته اللطيفة ، فيجعل جليسه ينفجر بالقهقهات المجلجلة ، إنه كاتب أثيل وعبقري فذ ، متفرد ومتعدد في الآن نفسه ، جاد ومخاتل ومشاكس وجريء، يسمي الأشياء بأسمائها دون مواربة أو وَجل ، يشغله الانهمام بمصير المثقف، في وطنه القابع في الخراب المعمّم ، لا يجأر بالشكوى حيال وضعه الرّاهن ، بل مكتف بالتعفُف ، ثابت على مبادئه وراسخ على مواقفه تجاه مجتمعه ، أبدع في رسم صورة الجزائر في المخيال الروسي ، وعرض آراء المستشرقين الروسيين حولها بحيادية كبيرة ، وقدم منظارهم الغربي لبلده بموضوعية ، هو موقن بلا جدوى الحياة وهازىء بعبثيتها ، بيد أنه منتصر للوجود الإنساني ، ومتشائم من الواقع الموبوء الذي يغتال أحلامنا الجميلة ، يجابه المآسي بجسمه النّحيل وصبره الجميل في تحّمل عذابات الحياة الآسنة ، ومن خلال اطلاعي على كتاباته أدركت أنها ثرية طافحة بالزخم المعرفي ، واستطاع بها أن يصنع لنفسه مكانة عزيزة في قلوب القراء ، ورفوف المكتبات والمحافل الثقافية .
ملاحظة : هذه الفقرة هي مقتطف من كتابي ، بصدد اعداده حول الكاتب الجزائري ” عبد العزيز بوباكير”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *