بقلم :الدكتور نورالدين السد
حين أظهرت هذه الصورة لصديقي الصدوق أول مرة شعرت بفخر ممزوج بخجل ، لأنه لم يكن يعلم عن أسرتي وعن سيرتي إلا القليل ، وأخرجت الصورة بعد تردد ، وقلت له : هؤلاء الشهداء الأربعة إخوتي ووالدي رحمهم الله ، وأسكنهم جنات الخلد ،
ثم قلت له : كلما رأيت صورتهم أتألم في صمت …
وتابعت كلامي وأنا مبتسم : هذا الذي لم أقله لك من سنين خلت ، وأنت أقرب الناس إلي وأعزهم …
وكنت أنظر إلى محياه بإمعان ، وأبحث في سرائره عن تعبير يترجم مشاعره ، وكانت تعابير وجهه وهو يتفرس الصورة كأنه يبحث عن عيوني في عيونهم ، وأطال النظر ، وأحسست كأن صديقي يكتم انفاسا حرى ، أو حمحمات خيول أضناها المسير ، وحين أمعنت النظر ، رأيت الدهشة في عينيه ، ولمحت دمعا يتسابق ليبوح بما جاشت به خفاياه ،
فأنتابتني لحظة ندم على ما سببته لصديقي من ألم ،
ورايته قد فغر فاه ، ثم قال بصوت أجش مشوب بحشرجة : لم أخفيت عني هذا ؟ ولم تخبرني به ! ،
فقلت : وما الفائدة ، ثم أنت تعرف أنني لا أريد أن أرى الحيرة في عينيك ، ولا أريد أن تراني بهم بقدر ما تراني بي وبما أنا عليه ،
وأردف قائلا : أراك مابدلت تبديلا ،
فهمت ما ألمح إليه ، ودون شعور وجدت نفسي أكرر كلامي ، وفي داخلي سمعت هاتفا يهتف بي :
– قل أي شيء ، وتمالك نفسك ، واربط جأشك وامسح ما أبرقت به عيناك ، ولا تبح بوجعك ، هيا أفعل أي شيء لعلك تخفف من عتابه ولومه .
استرجعت بعض صوتي وقلت :
– يا صديقي لا أريد أن أرى الحيرة في عينيك ولا الشفقة حين تراني ، ولا أريد أن تقول لي : كيف تسللت عبر قهر الزمن !؟ .. لتصبح بهذي الشيم !؟ ولا أريد أن تذكرني بيتمي ومرادفاته …
ومع ذا راح صديقي يسألني :
– كيف تسللت بين عواتي الزمن لألتقيك !؟
وكيف داريت عني ألمك، وكتمت أوجاعك .!؟
ثم همت دموعه ؛ ورافقتها مشاعر مواساة ؛ وفيوض تمتمات ودعوات كأنه خارج من صلوات ، وصاعد من أعماق روحه نشيج ، ثم تبينت كلامه وهو يقول :
– كنت أحاول أحيانا تتبع سرك ؛ وأرافق شرودك حين يأخذك إلى أبعد مداه ، وكنت أخشى غيابك حين يهيم بك الشرود ويأخذك بعيدا بعيدا ، وكنت أتساءل في حيرة وأقول بين جوانحي : في نفس صديقي سر دفين ، وفي غور عينيه حزن عميق ، وها أنت اليوم تفتح قلبك ؛ وتمنحني بعض سرك ، ما أعظم جرحك يا صديقي ، وما أصبرك أيها الشقي .. !!!
ومن يومها قاسمني صديقي كل أفراحي , وقاسمني بعض بعض الألم …